اخبار عمان

المعلم العُماني.. نبع عطاء لا ينضب

 

د. سالم عبدالله العامري **

تحتفل السلطنة بيوم المُعلم العُماني الذي يُوافق الرابع والعشرين من شهر فبراير من كل عام، تقديرًا للمكانة العظيمة التي يحظى بها المعلم في السلطنة، وتأكيدًا للدور الفاعل للمُعلم باعتباره المُحرك الأساسي للعملية التعليمية، ودوره الفاعل في إعداد جيل يتسلح بالعلم والمعرفة ويرتقي بفكره نحو آفاق عُليا تُسهم في بناء الوطن وتطوّره وتقدّمه.

وتقديرًا لجهود المُعلم الكبيرة والنبيلة ومكانته العظيمة التي يحظى بها، فقد أقر مجلس الوزراء تخصيص يوم المعلم العُماني الذي يوافق 24 من فبراير من كل عام إجازة رسمية لجميع المعلمين والمعلمات والوظائف المساندة المرتبطة بها في المدارس الحكومية والخاصة بدءًا من العام الدراسي الجاري 2023/ 2024؛ ما ينعكس إيجابًا في تطوير أدائه الوظيفي، وتعزيز الدافعية المهنية لديه.

وفي السياق ذاته، يحظى المعلم العُماني باهتمام بالغ، من قبل القائمين في وزارة التربية والتعليم من حيث تأهيله وتحفيزه وتطوير قدراته وتسخير كل ما من شأنه من أجل تسهيل مُهمته وأداء رسالته على أكمل وجه؛ حيث تحرص الوزارة على تكريمه والاحتفاء به سواء من خلال الحفل الذي يقام سنويًا على مستوى ديوان عام الوزارة وفق معايير تعتمد على المبادرات كحافز لكل من جد واجتهد وثابر من أجل الرقيِ بالعملية التعليمية وتتويج لجهود مخلصة بُذلت من مُعلمين وتربويين، لتطوير المنظومة التعليمية في السلطنة، أو على مستوى المديريات العامة للتربية والتعليم في مختلف محافظات السلطنة التي تحتفل بدورها بيوم المعلم العُماني، من خلال تكريم عدد من أعضاء الهيئة التعليمية على مستوى المحافظات التعليمية، وكذلك على مستوى المدرسة حيث تتنوع مظاهر الاحتفال بيوم المعلم في مختلف مدارس السلطنة على اختلاف مراحلها الدراسية.

وعلى الرغم من كل ما تبذله الوزارة من حرص واهتمام على تقديم كل ما من شأنه تحقيق النمو الذاتي للمعلم وبناء الشخصية التربوية وتقديم الخدمات المتميزة له، بما يتناسب ودوره ومكانته الرفيعة في المجتمع، وهو ما اتضح جليًا، ولمسناه مؤخرا من توظيف عدد كبير من المعلمين العُمانيين الجدد، ليصل العدد الكلي للمعلمين حتى بداية الفصل الدراسي الثاني 2023/ 2024 ما يقارب 61195 معلمًا ومعلمة بنسبة تعمين بلغت 88% في المدارس الحكومية، ونحو 10652 إداريًا وفنيًا، وكذلك العمل على توفير بنية تحتية مناسبة للتعليم من مدارس ووسائل ومواد تعليمية وتقنيات حديثة، والتخطيط لبناء مدارس جديدة في مختلف المحافظات التعليمية بعد أن ارتفعت أعداد المدارس المسائية في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع معدلات الطلبة المقيدين بالمدارس الحكومية؛ حيث تم تشييد 29 مبنى مدرسي العام الحالي ليقلص عدد المدارس المسائية إلى ما يقارب 122 مدرسة مطلع العام المقبل، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من التحديات التي أثقلت كاهل المعلم العُماني، وربما ساهمت بشكل كبير في إعاقة تقدمه وتطوير مهاراته  الإبداعية  أبرزها الكثافة الطلابية داخل القاعة الصفية، وزيادة نصاب المعلم من الحصص علاوة على الأعباء الإدارية المكلف بها في مهامه الوظيفية، وطول برنامج اليوم الدراسي، وكثافة المنهج الدراسي لبعض المواد، وزيادة المواد الدراسية في الصف الواحد، بالإضافة إلى المدارس المسائية، وقلة الحوافز والترقيات، وعدم زيادة الرواتب للمعلمين.

ونظرًا لتطور المعرفة والتحول الرقمي الذي يشهده العالم، كان لزامًا على المعلم مواكبة هذه التغيرات واستخدام مختلف تقنيات وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة وأبرزها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولن تستطيع مدارسنا وجامعاتنا فعل شيء ذي قيمة إلّا إذا واكبت هذا التغيير وكفت عن تلقين المعلومات، فإنْ ظلت خزانات من المعلومات فلن تستطيع إعداد إنسانا للحياة. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن المعلم هو الأساس في عملية التدريس، فليست الطريقة أو الأسلوب ذاته هو الأساس، وهو الأمر الذي يتركه التربويون للمعلم في حرية اختيار الطريقة أو الأسلوب المناسب حسب رؤيته هو وتقديره للموقف الصفي والذي يتناسب مع أهداف المادة التدريسية التي يقوم المعلم بتدريسها.

إنَّ المعلم أشبه ما يكون بالشمعة تحرق نفسها لتُنير الطريق أمام العابرين إلى المجد والمعالي، فجديرُ بمن يحرق نفسه ليضيء الطريق لغيره أن يُكرم وأن يحتفى به اعترافًا بعظيم فضله وكبير جهده وإسهامه اللامحدود في نشر العلم والمعرفة، ومحاربة الجهل والتخلف، فالعلم الذي يقدمه المعلم يعلي شأنه ويعود بالنفع عليه وعلى الأمة، فهو الذي يربي الأجيال ويصنع الرجال الذين يحملون آمال الأمة، يقول الإمام الشافعي: “بالعلم يدرك أقصى المجد من أممٍ.. ولا رقي بغير العلم للأمم“.

تحية لك يا من حملت مشعل العلم وراية النور والسلام في يوم عيدك، ودمت نبراسًا لهداية البشرية وبناء الأوطان.

** دكتوراة في فلسفة التعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *