اخبار عمان

مُستأنسات الفكر | جريدة الرؤية العمانية

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

“الكلمات دموع اللغة، والشعر بكاء فصيح” عبدالله الغذامي

عن المقال السابق المعنون بـ”مستوحشات الفكر”، عاتبني أحد الأحبة بسبب عنوان المقال، سيما وأننا كنَّا في بداية شهر رمضان المبارك، فبيّن لي أنه قرأ فقط عنوان المقال ولم يعجبه الوضع؛ إذ قال: “يابو عوض الناس في أول الشهر الفضيل المبارك ويستبشرون بالخيرات والحسنات ورضا الرحمن في تلكم الأيام الطيبة، وأنت (يقصدني) تكتب عند ذلك في وحشة واستيحاش وتوحش”!

تفكرت برأي الأخ العزيز، وبصراحة في رأيه وجهة نظر موضوعية، ولماذا لا أكتبُ مقالًا بعنوان “مُستأنسات الفكر”، كاستلطاف للشهر المبارك، أو للتكفير عن غلطة العنوان سمها ما شئت! والحقيقة أن الكاتب أحيانًا لا يملك رفاهية اختيار عنوان ما للمقال المزمع كتابته، لكنه ما قسم الله وقدر، وأحيانًا تجد أفكار الكتابة تقف بالدور في ازدحام، وأحايين كثيرة أبحث عن الفكرة كالباحث عن إبرة وسط كومة قش.

ما دمنا في المستأنسات قرأت للشاعر توفيق آل ناصر أبياتًا معبرة تشعر منها بالرقي في العتاب، والتيسر في الحديث إذ قال في مطلع قصيدة طويلة:

أَحْسِنْ بِنا الظَّنَّ إنّا فيكَ نُحْسِنُهُ

إنَّ القُلوبَ بِحُسْنِ الظَّنِّ تَنْسَجِمُ

وَالْمَسْ لَنا العُذْرَ فِي قَوْلٍ وَفِي عَمَلٍ

نَلْمَسْ لَكَ العُذْرَ إنْ زَلَّتْ بِكَ القَدَمُ

لا تَجعَل الشَّكَّ يَبْني فيكَ مَسْكَنُهُ

إنَّ الحَياةَ بِسُوءِ الظَّنِّ تَنْهَدِمُ

هنا يركز الشاعر على حسن الظن، ويؤكده، ويصف إنسجام القلوب بفعل حسن الظن، وإلتماس العذر، ودرء الشك، والابتعاد عن سوء الظن الذي يهدم الحياة!

الشعر كان وأظنه ما زال ديوان العرب، ولا تحدثني عن وسائل تواصل وتكنولوجيا اتصالات؛ فالشعر هو سيد اللقاء، وزعيم الاقتباس، ومصدر التتفيس لليائسين، وعن الوداع ما زلت أتذكر معلقة الأعشى:

وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ

وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ

غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها

تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ

كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها

مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ

عن الشعر، قال نزار قباني: أعظم الشعراء هم أولئك الذين كتبوا بيت شعر واحد وماتوا بعد كتابته مباشرة. اتفق مع ما قاله قباني؛ فالشعر هو بنيان البيت وملاءته المعنوية، فعلًا بيت واحد يمتلئ شعرًا خيرٌ من دواوين لا يحفظ أحد بيتًا واحدًا من قصائدها.

سمعت وقرأت عن شعراء كثيرون خلدهم بيت واحد من الشعر، وغيرهم شعراء تزدحم بهم أمسيات الشعر، وبرامج الشعر ولقاءاته ولا تصل جودة كتاباتهم لـ10% من جودة البيت الواحد لشاعر مغمور، القضية قضية ذوق وتوفيق من الله؛ إذ ليس كل من قال قصيدة شاعرًا بغض النظر عن أية حسابات فنية او إعلامية!

الآن وقد وصلت للفقرة الأخيرة من هذا المقال البسيط، وأوردت به عددًا من أبيات الشعر، ليكون المقال مستأنسًا للقارئ وليس من مستوحشات الفكر؛ حيث كان أغلب الحديث عن الشعر، وقال الشاعر وصح لسان الشاعر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *