اخبار عمان

الزي التقليدي.. هُوية وطن | جريدة الرؤية العمانية

 

حمد الناصري

اعتادت الشعوب على الاهتمام بأزيائها الشعبية ولباسها التقليدي، على اعتبارها مُكوّنًا للهوية الوطنية، وقد عكست النقوش على الجدران امتداد أصالتها عبر الأجيال ونقلتها إلينا عبر الحضارات والفِكْر ونراهُ اليوم بأنه جسر ثقافي ورمز للهوية.

ومن خلال ذلك المُكوّن الثقافي والحضاري، أقامت الدول علاقاتها وانتماءاتها حتى بلغت حدّ الوفاء وحافظت على بقائها ووجودها.

والأزياء التقليدية مَوروث قديم وتُراث نابع من عادات الشعوب، يُعبِّر عن تفاصيل الحياة وطريقة عيشها وأنماط أساليبها، ورغم أنّ التطورات الحياتية التي سارت عليها المجتمعات لم تتوقّف؛ بل واصلتْ مَسيرتها مُعزّزة بقيم تعايشها وطرق مَعيشتها، وأصبحت تلك القيم والسلوكيات ثقافة تحوّلتْ إلى عادات وتقاليد، فحافظت الشُعوب على كلّ ذلك المُكوّن. كما جسّدت ذاكرة البشر كلّ ما يتعلّق بالهوية واستنسخت موروثها ومساراتها بقدرات مُبدعة وطاقات خلّاقة وأحيتْ في النفوس كلّ ما يُقوي الذاكرة.

قرأتُ للدكتور حسين الخزاعي أستاذ علم الاجتماع بجامعة البلقاء في الأردن، أنّ انصراف الجميع عن “ارتداء التاريخ” دون أن يرى أحدهم ذلك تعبيرًا عن ترك القيم؛ فإيقاع الحياة يفرض نفسه على الشكل والعادات”.

ويقول أستاذ علم الاجتماع أيضًا: “إذا أردنا أن نشعر بالقلق فما علينا إلا النظر إلى هجران القيم والسلوكيات الحميدة لصالح سلوك الغزاة الغربيين”. وفي موضع آخر، يقول الخزاعي: “يعتبر الزي خير لسان يعبر عن حال الأمة وعاداتها وتقاليدها وتراثها، ولا نبالغ اذا قلنا إن الازياء والملابس من أكثر شواهد المأثور الشعبي تعقيدًا، إذ تعتبر من الحاجات والطقوس الممتدة عبر حياة الإنسان يستدل بها على كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويُستدل غالبًا من خلال لبسها على انتمائه الطبقي ومنزلته الاجتماعية وعمله وجنسه وعمره كما إن الأزياء الشعبية من أهم الوسائل المستخدمة في الكشف عن تراث الشعوب عبر أجيال مختلفة، وهى وإن اختلفت في أشكالها وألوانها فإنما تعبر بذلك عن مراحل تاريخية مختلفة مرت بها الأمة، وسجلت على القماش أفراحها وعاداتها وأساليب حياتها المختلفة”.

ويقول الدكتور بهنام عطا الله من العراق: “كان الإنسان العراقي أقدم من عرف الملابس والأزياء وتفنن في صُنعها، وتدلنا النقوش السومرية والتماثيل البابلية والآشورية، على مدى الخيال الخصب لهذا الانسان، في إيجاد النماذج والتنوع لقطع الملابس التي كان يَرتديها، فكان له في كل مناسبة زيًا خاصًا يستعمله لأغراض تلك المناسبة فمنها: لعمله اليومي أو للأعياد أو للاحتفال بالانتصارات أو للزواج وزيارة المعابد، من هنا جاءت دراسة الأزياء الشعبية في العراق لأهميتها الكبيرة لأنها كانت وما تزال تشكل فرعًا مهمًا من فروع مأثورات الفن الشعبي”.

أسُوقُ تلك المقدمة وأنا ألاحظ في منطقتنا، الجزيرة العربية العريقة، أزياء مُتعددة ومختلفة للرجال والنساء، منها: الزي السعودي الرسمي وهو اللباس الذي يُعبِّر عن هويّة المواطنين في المملكة العربية السعودية والذي تَشكّل حاضرًا ليتماشى مع الظروف البيئية والمناخية المختلفة وهو مُتشابه إلى حدٍ كبير إلى الثوب العربي الذي يُعرف في الجزيرة العربية بـ”الكندورة” ثمّ أضيف لاحقًا العقال والطاقية والشماغ بلونيه الابيض والاحمر.

ومن الأزياء التقليدية النسوية السعودية، النشل، غامد وزهران، وهو الثوب الرسمي للرجال، والأزياء التراثية القديمة ركنٌ أساسي، ففي المملكة العربية السعودية عادة ما يكون أبيضَ في الصيف أو الرمادي الثقيل في الشتاء.. والثوب الوطني والزي التقليدي في السعودية تبدو متقاربة نوعا ما.

ومن الأزياء التقليدية المرتبطة بجذور تاريخية عميقة، كالزي البلدي اليمني والزي التقليدي العُماني النابع من تُراث عُمان الضارب في أعماق التاريخ والجذور العربية الأصيلة.

ولا غرو فقد عُرفتْ الدول العربية الواقعة على شبه الجزيرة العربية، قديمًا بـ”بلاد العرب”، واشتهرتْ باسم الجزيرة العربية إلى أنْ عُرفت اليوم بـ”دول الخليج العربي”،  وهذا الاسم لا أسْتسيغه، فنحن دُول عربية أصيلة الجذور ويَلزمنا الارتباط التاريخي بالأرض العربية.

وترتبط دُول الجزيرة العربية بأزياء كثيرة، منها ما هو تاريخي ومنها مُستحدث ولكنه مُرتبط بجذور تاريخية عميقة النشأة خاصة المُرتبطة بالبحر، والازياء البحرية شكلها فضفاض وذات ألوان براقة جميلة، مُقترنة بذوق رفيع، ومُقترنة بحاجة الانسان في رسم خطوط ذائقته وإلى لمساته الفنية بما يَتناسب وجمال البحر المُبْهر والحال كذلك بالنسبة للزي النسوي بأبْعاده الجمالية والأخلاقية، وأبرزها: الزيّ المُطرّز باحترافية وبزخرفة تُضفي على الثوب أو الملبس روعة باهرة، وتحبس أنفاس الذوق الجميل عادة.

والأزياء الرجالية أقرب إلى البساطة، لتسهيل عملية الحركة وتتناسب مع أجواء الجزيرة العربية وأغلبها باللون الابيض، وهذا اللباس او الزي يُطلق عليه بـ”الكندورة” في مُعظم دول الجزيرة العربية من العراق التاريخ إلى اليمن السعيد، إلّا سَلطنة عُمان، فيُعرف بـ”الدشداشة” والدشداشة العُمانية ترتبط بموروث مُتفرّد، الرجالية والنسائية، وتتميز الدشداشة العُمانية بتطريزاتها المُتفردة عن بقيّة دول الجزيرة العربية، والمعروفة بـ”الكندورة” والأخيرة تخلو من خيوط الألوان والتطريز المُزخرف.

وتطريزات الدشداشة سَهلة وبسيطة، ولا تخرج عن الذوق العام وعن نمطيّة وسَيرورة ذائقة اللباس العربي في بلاد الجزيرة العربية، والعُماني يتمنطق بـ”الخنجر والمصرّ” ويُعرف قديمًا بالعمامَة وفي بعض المناطق العمانية القديمة، يحمل الرجل العصا والسلاح معًا.

ونجد ذلك الملبس التقليدي في اليمن مُتقارب مع العُماني فيتمنطق الرجل الخنجر أو “الجَنْبية” حسب لهجة أهل اليمن.

وفي وقت لاحق، قرأت أنّ دول عربية مثل الأردن نساؤهم لا يرتدين الملبس أو الزي الشعبي، كما تخلّى الرجل عن لباس “القماز” والقماز واحدة من أنواع أسماء الدشداشة.

وكان ذلك التخلّي لصالح البنطال والقميص والموضات الغربية التي ينظُر إليها الأردني بإعجاب، فلم يَعد الزي الشعبي الأردني إلّا في الأرياف البعيدة، أو أطراف المملكة.

أما في تونس والجزائر، فهذان البلدان العربيان ارتبطت أزياؤهما التقليدية الرجالية والنسائية بالعُمر أو بالحالة الاقتصادية. ولم تُحافظ ليبيا على زيّها التقليدي، وأوعز البعض إلى عدم المُحافظة على الزيّ التقليدي، نظرًا لطبيعة العمل وإحلال بريستيج الإفرنجة.

تابعتُ مقطعًا مصورًا مُتداولًا على “واتساب”  في عام 2022، لحاج يمني، وكما بدتْ ملامحه أنه فوق الأربعين أو هو أقرب إلى الخمسين عامًا من عُمره المبارك؛ فسأله أحدهم، وقد ظهر على مقطع الفيديو قائلًا: “هذه “الجنبية” ممنوعة في الحرم المكي”، فقال الرجل اليمني: “والله ماني داخل الحرم إلّا وجنبيتي معي ولو يصير اللي يصير، وأنا عند ربّ العالمين.. الرجّال بسلاحه، إن غاب أو بالديرة باقي”. ثمّ تمنىّ أن يتقبّل الله منه حَجته هذا العام وهو بجنبيته.

والحقيقة أننا لسنا ضدّ الحداثة الراقية ولسنا ضدّ الذوق الرفيع الذي يجعلنا في موضع قوة وندّ يفهمه الآخر، لا إلى ضَعف أو إذلال، فيُحيلنا ذلك الآخر إلى التهميش، لكننا نلاحظ عدم احترام تقاليدنا وأزيائنا ولُغتنا حتى على شاشات التلفزيون، وقد نجد الرجل في كثير من المواقع الرسمية وغير الرسمية مُتمسّكًا بزيه التقليدي ولباسه كهوية يفتخر بها، بينما نجد المرأة تتخلّى عنه وعلى مرأى أعيننا ولصالح تقليد الغرب.

والسؤال: لماذا في عالمنا العربي نتخلّى عن زيّنا الوطني وننسلخ من هويتنا وأصالتنا لصالح مُجاملة الغرب أو تجاذبًا مع “بريستيج” الغرب او تقاربًا مع بروتوكولات الإفرنجية، بَيْد أنّ تلك الدول الإفرنجية تختلف مَعنا في الهوية التاريخية وفي عُروبتنا وفي أصالة جذورنا وتاريخنا العميق؟

ونُعيد السؤال بطريقة مُختلفة: هل يحق لنا أنْ نُلزم الأجنبي (الأوروبي أو الآسيوي) بارتداء أزيائنا ولباسنا التقليدي طالما نحن التزمنا بالبنطال والقميص والمعطف، إذا ما زار أحدهم بلادنا العربية وعلى وجه الخصوص بلاد الجزيرة العربية؟

ومن هنا ننتقل إلى نقطة مهمة، وهي: لماذا لا نجعل لُغتنا العربية أساسًا للتحدّث في لقاءاتنا وحواراتنا؟ فلغتنا العربية لُغة أهل السّماء، لغة القرآن العظيم، لُغة العرب الأصيلة.. فلماذا نجعلها آخر اهْتمامنا؟ بَيْد أنّنا نجد اللغة الإنجليزية طاغية حتى على لُغتنا العربية؛ سواء أكان ذلك، في بيوتنا أو خارجها؛ بل ونُكرّسها في مَناهجنا ومدارسنا وفي تعاملاتنا السُوقية وفي المؤسسات والشركات، وأضحتْ أساس التقييم للقبول في العمل.

لذا أتساءل: هل لُغة الإفرنج أهمّ من لُغتنا العربية فتجعلهم لا يتقبّلون لُغتنا ولا حتى زيّنا الوطني؟!

الخلاصة.. إنّ الأزياء التقليدية انعكاسٌ لقوة التمسك بالهوية ودليل على الحضارة التي أنتجت أصالة الهوية والزي التقليدي، وعلينا أنْ لا نخجل منها، فهي تاريخنا ولا يجوز أنْ يَسلبه منّا الآخرين بإغراءات مُتعددة وبأساليب مُتفرّقة، فإنْ لم نُحافظ على هويتنا وتاريخنا وأصالتنا فسوف يُنتزع ماضينا الجميل، وثقافتنا الشعبية وتُراثنا الأصيل تدريجيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *