اخبار عمان

لا صوت فوق قانون الغاب

سليمان المجيني

[email protected]

لست مستغربًا من تصرفات دولة الاحتلال وسلوكياتها تجاه الشعب المدني في غزة، لست مستغربا بتاتا لأنّ الأمر ليس بجديد، وكان على الجميع توقع ذلك؛ فتاريخها مع الحروب التي خاضتها مع المقاومة الفلسطينية دمويٌ إلى أبعد الحدود، وكأن الموت طريق إظهار القوة والفتوّة على المدنيين، ومدعاة للنصر.

السؤال الذي يزِنُّ مطولا: ألا يوجد من يوقفها؟  

نعم، لا يوجد من يوقفها ولا ما يوقفها؛ فلا الدول المحيطة قادرة لعدم توسع دائرة الحرب ولأسباب عدة أخرى أهمها اقتصادي، كما أن طبيعة الاتفاقيات تلزم الكثير ربما بالنأي بالنفس وعدم خوض المعارك نيابة عن الغير، وهنا على الدول مجابهة مصيرها ومغبة سلوكها، وهذا بالضبط ما يحدث في غزة فلسطين هذه الأيام، الدولة التي قاست الانتداب ومن ثم الاحتلال الصهيوني، كما لا تدخل أي مبادئ لدى الكيان الغاصب كأمر رادع له يحكم سلوك الحرب ويصقل تصرفاته التي قلما توصف بالهمجية. 

تعلمنا منذ صغرنا أن الغابة يحكمها الأقوى فلا يوجد قانون ولا دافع يجعل الأسد مهادنا للغزال، لذا يبتعد الإنسان المسالم عنها، أو يكون مسلحًا لو أراد خوض الغابة والسكن بها درءًا للمخاطر التي قد يتعرض لها، هذا الأمر ينطبق الآن على الاحتلال الصهيوني وغزة في المقابل؛ فبقدر قدرة المقاومة على مجابهة دولة الاحتلال إلا أن الأخير يتفوق عليها في السلاح الجوي الذي سبب كل هذه الضحايا المدنية التي نشاهدها عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، ولو كانت القوى متوازنة لما حدث كل هذا.

دائمًا يلام الإنسان على قيامه بالاعتداء على جاره الذي لم يصدر منه سلوك مناوئ أو إن قام بشيء لا يستحق ردة الفعل الشنيعة، أما وقد كان هذا الجار صاحب سلطة قوية مارسها بكل حدة بسبب وبدون سبب، وضيق أيما ضيق على جاره الآخر؛ فإن تصرفات ذلك الجار ستكون غريزية لدفع الضرر عنه، وهذا الأمر مارسه الاحتلال من خلال المداهمات المستمرة واعتقال السكان الآمنين، وتقنين دخول الغذاء، والقتل، والتشريد، وقطع المياه والكهرباء والاتصالات (في غير أوقات الحروب)، وجرف الأراضي الزراعية وحرق المحاصيل، وقطع حركة السكان بين المدن والحارات، وممارسة العنصرية البغيظة وكل شيء سيئ يمكن الحديث عنه.

ماذا يعني أن يفعل الاحتلال ما يريد والعالم ينظر إليه وكأنه لا يعبأ بما يحدث؟

ممارسات تحاول من خلالها تركيع الشعب الفلسطيني الحر، قتل وتنكيل واعتقال وتضييق وممارسات وحشية جعل العقل لا يستوعب هذا السكوت العالمي، وكأن العالم ينظر لما بعد تلك الحادثة، ثم تأتي أخرى فيقول ربما تنتهي فيأتي غيرها وهكذا دواليك.

هذه الدولة المجرمة لم ولن تتعظ من خلال جرائمها السابقة في فلسطين منذ عام 1947 وحتى المجزرتين الأخيرتين في جباليا يومي الثلاثاء والأربعاء، ولعل العالم يتذكر مجزرة بلد الشيخ في نهاية ديسمبر 1947، ومجزرة دير ياسين في أبريل 1948، ومجزرة خان يونس في نوفمبر 1956، ثم مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994، ومجزرة جنين في أبريل 2002، وغيرها من المجازر السابقة وفي هذا العام كمجزرة مستشفى المعمداني ومجزرة جباليا.

بلا قلب ولا رحمة تُنتَزع أرواح البشر ويطغى الإنسان على غيره من البشر لأجل معتقدات وملل بالية، عالم يسوده منطق الغاب، وكيف لهذا الغرب أن يكون متقدما وهو يحرم نفسا من العيش؟، كيف يكون متطورا وهو يطمر روحا ويزهقها قهرا وظلما؟، ألا يتعلم الغرب من دروس الماضي؟

ماذا فعل احتلال ألمانيا لروسيا في الحرب العالمية الثانية؟ وكيف قدمت روسيا ملايين البشر تضحية للوطن، ثم كيف قدمت فيتنام ثلاثة ملايين ونصف مليون إنسان في سبيل الحرية من أمريكا؟ وكيف قدمت الجزائر ملايين الشهداء أيضا في سبيل التحرير من المستعمر الفرنسي؟ وكيف قدمت أفغانستان الملايين في حربها مع روسيا ومن ثم أمريكا؟ (1)

ألا يعلم هؤلاء أن الاستعمار إلى زوال طال أم قصر.

الشخصية الصهيونية عموما تتصف بحبها للدماء وهذه المجازر لا يوازيها إنسانية ولا مشاعر بشرية بل هو إجرام فظ، وسادية متجذرة، تساهم فيها دول العالم المتقدم والمتحضر، والمتجرد من العطف والإنسانية كأمريكا ودول أوروبا الغربية هذه الدول وغيرها شاهدة ومشاركة في المجازر التي ارتكبت بدم بارد في فلسطين في حق شعب أعزل كل ذنبه أنه مُحتل، وهذه الهمجية ليست ببعيدة عن دولة الاحتلال وأمريكا وأذنابها؛ فلا صوت يأتي ولا قانون فوق قانون الغاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *