اخبار البحرين

«الوطن» تفتح ملف الاستمطار الصناعي.. مستقبله في المنطقة وعلاقته بالأمطار الاستثنائية

أيمن شكل


خبراء: لا علاقة له بمنخفض الهدير والسبب التغير المناخي


الاستمطار في البحرين سيسقي البعيد ويترك القريب


التحديات تشمل ارتفاع الكلفة وصعوبة قياس الجدوى


8000 دولار لكل ساعة طيران لتلقيح السحب


تقنية الاستمطار التي ظهرت على استحياء خلال السنوات الماضية، لم تشهد تقدماً يمكن ملاحظته باعتبارها وسيلة ناجعة لحل مشكلة ندرة المياه في المناطق الصحراوية، وعادت للواجهة خلال الأيام الماضية بالتزامن مع «منخفض الهدير» الذي واجهته كلٌّ من البحرين والإمارات وسلطنة عمان ومؤخراً اليمن، فما هو الاستمطار وما هي قصته، وهل يصلح أن يكون بديلاً اقتصادياً لحلول توفير مياه الشرب والزراعة؟ هذا ما تناقشه «الوطن» في التحقيق التالي.

خبراء يعملون في هذا المجال، اختلفوا في وجهات النظر بشأن الجدوى الاقتصادية له، حيث ألمح بعضهم إلى أنه يتطلب اشتراطات كثيرة قد لا تتحقق، ولا يصلح لأي نوع من السحب ويعتمد على وجود السحابة المناسبة التي تتحرك بالاتجاه المناسب، لمسافات طويلة نسبياً وهو ما لا يصلح في البحرين، فلو استمطرنا بالمملكة فالاحتمال الأكبر أن تسقط الأمطار في الخليج العربي، وكأن لسان حال التقنية هو «عين عذاري» التي تسقي البعيد وتترك القريب.

ولا توجد نتائج دقيقة وموثقة علمياً عن حجم كمية الأمطار التي يمكن الحصول عليها بعد كل عملية تلقيح للسحب، فضلاً عن ارتفاع الكلفة وانخفاض نسب النجاح، فقد اعترف المتخصصون بأن زيادة نسبة هطول الأمطار لا ترتبط بعملية الاستمطار وحدها، وأن عملية الاستمطار قد تعزز هطول المطر ولكنها لا تخلقه.

وعلى الرغم من ذلك فإن التقنية تشهد تطوراً عاماً بعد آخر، وربما تكون ذات جدوى بعد سنوات لا يُعلم عددها ولكي يمكن الحكم بأن برامج «الاستمطار»، عنصر أساسي في استراتيجيات الأمن المائي الوطنية والإقليمية، فإنه يلزم إجراء المزيد من الدراسات.

تعريف الاستمطار

يشرح مستشار الموارد المائية في هيئة البيئة بأبوظبي د. محمد عبد الحميد داوود ماهية الاستمطار وكيف يحدث مشيراً إلى أنه «محاولة لإسقاط الأمطار من السحب في الغلاف الجوي بشكلٍ صناعي من خلال نثر بعض الموارد التي تساعد في تكثيف السحب وتكوين قطرات من المياه قادرة على السقوط من خلال إحداث تغييرات فيزيائية وكيميائية معينة في العمليات الميكروفيزيائية للسحب» وهو ما يعرف باسم تكثيف السحب صناعياً، ومن خلال هذه العملية يمكن التحكم في كمية أو نوع أو معدلات هطول الأمطار من هذه السحب.

وقال إن «عملية الاستمطار تهدف إلى تسريع معدلات الهطول للأمطار من سحب معينة وزيادة معدلات إدرار السحب عن الكمية الطبيعية فوق بعض المناطق الجافة ذات المعدلات المنخفضة في هطول الأمطار طبيعياً، وتتم من خلال تلقيح السحب عبر طائرات خاصة مجهزة بأحدث التقنيات والأجهزة بعد عمل عدد من البحوث للغلاف الجوي لتحديد الوقت والمكان والارتفاع وطبيعة السحب المستهدفة عن طريق رصد هذه السحب بواسطة الأقمار الصناعية، ومن ثم حقن هذه السحب بالشعلات ونشر الرذاذ المكوّن من مواد كيماوية وعادة ما تكون مواد صديقة للبيئة وأملاح طبيعية مثل كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم، فوق أو أسفل السحب، والتي تساعد على تكثيف هذه السحب وتشكيل قطرات ماء تكبر مع الوقت، ولا تستطيع السحب على حملها فتهطل الأمطار».

صعوبة توثيق تأثير الاستمطارعلى معدلات المياه

وأشار د. داوود إلى أن طرق استمطار السحب تشمل أيضاً «استخدام المولدات الأرضية الموضوعة في أماكن مرتفعة، والتي بدأ استخدامها في عام 2019، بحيث تساهم في عمليات تلقيح السحب عبر مواد وتقنيات صديقة للبيئة، بحيث يتم تجهيز مولدات تحتوي على 48 شعلة تتضمن مجموعة من الأملاح الطبيعية، ويتم التحكم بها عن بعد عبر غرف العمليات في المراكز المتخصصة»، لكنه لفت إلى أن «عملية الاستمطار وتغيير الطقس صناعياً مازالت تواجه بعض التحديات العلمية ومن أهمها صعوبة توثيق وتسجيل الزيادات في هطول الأمطار عن المعدلات الطبيعية».

مشاكل الاستمطار

ويرى بعض الباحثين في علوم الغلاف الجوي في العالم وخبراء تقييم استراتيجيات هندسة المناخ بأن المشكلة تكمن في عدم القدرة على تأكيد حدوث الأمطار بعد عملية تلقيح السحب. كما أن هذه العملية لا تصلح لأي نوع من السحب بل لأنواع محددة من السحب تعرف بالسحب الركامية الطويلة، وهذه الأنواع من السحب يمكن أن تكون مضطربة للغاية وقد لا تحتوي على رطوبة كافية بحيث يصعب تحديد ما إذا كان للتلقيح أي تأثير عليها أم لا وخصوصاً في المناطق الجافة.

كما أن أحد التحديات الهامة هو ارتفاع الكلفة المالية واخفاض الجدوى الاقتصادية لتطبيق هذه التقنية وانخفاض نسب نجاحها إلى عشرة في المئة أو ما دون ذلك في بعض الأحيان، حيث يرتبط نجاح عملية تلقيح السحب والاستمطار وكمية الأمطار منها على توافر ظروف جوية معينة ومناسبة يصعب في كثير من الأحيان ضمان توافرها أو تحقيقها.

40 دولة بدأت بأبحاث وتطبيقات

وحول الدول التي طبقت الاستمطار في منظومة مصادر مياهها، أوضح د. داوود أن ما يقرب من 40 دولة في العالم قد بدأت سواء في برامج بحثية أو تطبيقية لتلقيح السحب والاستمطار من أجل تعديل الطقس أو تحسين الموارد المائية أو منع سقوط الأمطار على بعض المناطق الحضرية، ويرجع تاريخ البدء في هذه البرامج إلي عام 1974 عندما قامت منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية في أستراليا بتنفيذ أول تجربة ناجحة لتلقيح السحب صناعياً والاستمطار. وبعدها تطورت التقنيات في هذا المجال وتحسنت نتائجها بشكل كبير سواء على المستوى البحثي النظري والمعملي أو حتى التطبيقي. وهو ما أدى إلى توسع بعض الدول في البدء في برامج لاستخدامها وتطبيقها، مثل أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند وتايلند.

وقال إن «بعض الدول العربية قد بدأت في الآونة الأخيرة في برامج بحثية وتطبيقية لتلقيح واستقطاب السحب والإستمطار على رأسها الإمارات ثم تلتها السعودية. وتحقق الإمارات تقدماً واضحاً في مجال الاستمطار واستقطاب السحب صناعياً وتعديل الطقس من خلال دعم البحوث العلمية النظرية والتطبيقية وتشجيع الباحثين والخبراء العاملين في هذا المجال، حتى أنها أصبحت الآن وجهة معتمدة ومركزاً عالمياً لكافة بحوث الاستمطار في العالم». وبالرغم من التحديات في جمع البيانات بشأن فاعلية الاستمطار واستقطاب السحب صناعياً إلا أن المركز الوطني للأرصاد الجوية في دولة الإمارات يشير إلي إن الأساليب التي تم استخدامها قد حققت زيادة بنسبة 5% على الأقل في هطول الأمطار سنوياً، وربما أكثر وذلك من خلال تحليل نتائج الأمطار لبيانات تغطي عدداً كبيراً من السنوات. وقد أعلن المركز في عام 2022 عن تجاربه في استخدام مادة نانوية جديدة صديقة للبيئة لتلقيح السحب تسمح بزيادة كفاءة وفعالية عملية تلقيح السحب في المناطق الجافة.

السعودية تحاول في المرتفعات الجنوبية

وفي السعودية وافق مجلس الوزراء في فبراير 2022 على برنامج للاستمطار يهدف لزيادة معدل الهطول المطري بالمملكة عن المعدل الحالي الذي لا يتجاوز 100 مم سنوياً. وقد بدأت المملكة بالعمليات التشغيلية والرحلات الجوية للمرحلة الثانية لبرنامج الاستمطار على مناطق المرتفعات الجنوبية الغربية في أغسطس 2022، حيث تشمل الطائف والباحة وعسير وجازان، إضافة إلى سواحلها؛ استكمالاً لأعمال المرحلة الأولى من برنامج استمطار السحب على مناطق الرياض والقصيم وحائل.

وأعلن البرنامج الإقليمي عن نتائج عملياته التشغيلية لعام 2023، إذ استهدفت 6 مناطق عبر 415 رحلة استمطار لمدة 1312:45 ساعة طيران، فضلاً عن 36 رحلة أبحاث لمدة 111:29 ساعة طيران من خلال 4 طائرات استمطار وطائرة للأبحاث، جرى فيها بذر نحو 7876 شعلة، وأنتجت 15 دقيقة هطول للأمطار بمجموع يقدر بـ4 مليارات متر مكعب، بناء على الدراسات البحثية للبرنامج.

ومؤخراً دخلت سلطنة عُمان والمغرب مجال البرامج التطبيقية لتقنيات الاستمطار والتجارب الخاصة بتلقيح السحب وتعديل الطقس. وتعد الأردن أحدث الدول العربية دخولا لمجال تطبيق تقنية الاستمطار، حيث أعلنت دائرة الأرصاد الجوية الأردنية، في مارس من عام 2023، عن إجراء أول عملية استمطار صناعي في البلاد، بغرض مواجهة أزمة شح المياه المتفاقمة.

تجربة الإمارات في الاستمطار

في إطار الشح المائي وضعف كميات المياه المتجددة طبيعياً حيث يصل نصيب الفرد بالدولة إلي أقل من 100 متر مكعب سنوياً، فقد وضعت دولة الإمارات برنامجاً لاستمطار واستقطاب السحب بهدف زيادة معدلات هطول الأمطار وإيجاد مصادر جديدة وتعزيز الإمداد بالمياه، وزيادة وتكثيف الغطاء النباتي الطبيعي؛ بهدف مواجهة التصحر و تخفيف تأثير الجفاف وقلة الأمطار.

وقد أصدر سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله عام 2003 جائزة عالمية للاستمطار بهدف تشجيع البحث العلمي في هذا المجال وإنشاء قاعدة بحثية وعلمية تشمل كافة وأحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في مجال الاستمطار.

وفي عام 2007 تم تأسيس المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل، والذي يقوم بمجموعة من المهام الرئيسية بما فيها إدارة عمليات الاستمطار في دولة الإمارات العربية المتحدة بالاعتماد على شبكة رادارات الطقس فيها.

في التاسع من يناير عام 2020، بدأ المركز الوطني للأرصاد الجوية وعلم الزلازل خمس رحلات جوية لاستمطار واستقطاب السحب بهدف اختبار تقنية ومواد جديدة طورتها إحدى الباحثات اليابانيات «ليندا زو» بالتعاون مع المركز والتي تطيل عملية التكثيف داخل السحب بسبب قدرتها على توسيع قطرات السحب أكثر من المواد التقليدية وهو ما يسمح بإنتاج أعداد أكبر من قطرات الماء أثناء هطول الأمطار تصل إلى 3 أضعاف الطريقة التقليدية القديمة التي كانت مستخدمة.

نفي من خبراء المناخ

وبعد هطول كميات غير مسبوقة من الأمطار خلال الأيام الماضية، حاولت تقارير غير موثقة ربط الاستمطار بالحالة الاستثنائية التي شهدتها الإمارات خلال الأيام الماضية بسبب منخفض الهدير، إلا أن ذلك الأمر نفاه خبراء المناخ مؤكدين أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها الإمارات وسلطنة عمان والبحرين ناجمة عن التغير المناخي الذي يعزى إلى ارتفاع درجات الحرارة وليس الاستمطار الصناعي الذي تجريه دولة مثل الإمارات بشكل متكرر للحصول على الأمطار.

خبير يغرد خارج السرب

كان لخبير الأرصاد الكويتي عيسى رمضان رأي آخر فيما حدث مؤخراً من أمطار شديدة، حيث فسر ذلك بسبب اللجوء إلى تقنيات الاستمطار، وقال إن هذه الكميات غير الطبيعية قد يكون سببها التدخل البشري في السحب.

وأضاف: «قد يكون تدخل الإنسان بالاستمطار تسبب في غزارة الأمطار التي لم تشهدها المنطقة من قبل».

الكلفة والعوائد

بالرغم من عدم وجود دراسات اقتصادية دقيقة حول تكاليف برامج وتطبيقات عمليات الاستمطار في الدول التي أخذت خطوة في هذا المجال إلا أن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قد أقرت بأن الاستمطار أو تلقيح السحب صناعياً وتعديل الطقس قد يساعد بعض الدول في تحسين وضعها الاقتصادي، نتيجة زيادة مخزون المياه العذبة المستخدم في الزراعة أو شحن الخزنات الجوفية، وتعديل المناخ. وفي السعودية وافق مجلس الوزراء رسمياً على برنامج الاستمطار الصناعي بموازنة تبلغ نحو 6 مليارات ريال سنوياً وهو ما يلقي الضوءَ مجدداً على القيمة الاقتصادية المتوقعة لذلك البرنامج.

ولا توجد نتائج دقيقة وموثقة علمياً عن حجم كمية الأمطار التي يمكن الحصول عليها بعد كل عملية تلقيح للسحب أو تكلفة المتر المكعب من هذه العملية. ولتقليل التكلفة فقد اقترح فريق من العلماء من جامعة ريدينغ في المملكة المتحدة في بداية العام 2017 البدء في استخدام الطائرات بدون طيار المصممة خصيصًا لهذا الغرض.

وقد نشرت مجلة «نيتشر للأبحاث» في أكتوبر 2023 مقالًا يتناول الإنجازات البحثية والتكنولوجية التي حققها برنامج الإمارات.

وتشير الأرقام التي عرضها المقال إلى أن عمليات تلقيح السحب التي ينفذها المركز بالإمارات تكلف حوالي 8,000 دولار لكل ساعة طيران.

وفي عام 2020، تم تنفيذ ما مجموعه 390 رحلة جوية، ويصل متوسط مدة كل منها إلى ساعة واحدة. وبالنظر إلى كميات الأمطار القابلة للحصاد من خلال التلقيح، تقدّر كلفة وحدة الأمطار القابلة للحصاد بما يتراوح بين 0.01 دولار و0.04 دولار للمتر المكعب، مقارنة بكلفة إنتاج المياه المحلاة التي تقدر بحوالي 0.31 دولار للمتر المكعب. وهو ما يجعل من تقنيات الاستمطار الخيار الأمثل من حيث التكلفة بالمقارنة مع عملية تحلية المياه إذا ثبتت صحة هذه الأرقام.

وحول التطوير في هذا المجال ليكون أكثر فائدة، أشار د. داوود إلى وجود العديد من البرامج العلمية والتطبيقية لتحفيز وتعزيز التقدم العلمي وتطوير منهجيات وتقنيات جديدة في مجال تعديل الطقس وتلقيح السحب والاستمطار. وتقدم هذه البرامج المنح المالية للمجتمع العلمي الدولي بهدف إجراء بحوث متطورة ومبتكرة ومتعددة التخصصات حول تطبيقات تحسين هطول الأمطار ودراسة فيزيائية السحب، بما يتجاوز مجرد دراسات تلقيح السحب التقليدية. وقال إن 11 مشروعاً بحثياً وتطبيقياً حتى الآن في الإمارات، لدعم بحوث متعددة النطاق في مجال فيزيائية السحب والغلاف الجوي، والهندسة الجيولوجية الحيوية، وتفاعلات الغلاف الجوي والسحب وأنواعها وتلقيحها والاستمطار، والفيزياء السحابية المجهرية. ويحقق البرنامج الاستفادة من الدراسات متعددة التخصصات لأحدث التطورات في علوم المواد وتكنولوجيا النانو لتطوير مواد تلقيح جديدة، وأنظمة جوية ذاتية التحكم بدون طيار للقيام بمهام تلقيح أكثر كفاءة وفعالية وتقليل الكلفة، والاستفادة من أجهزة استشعار ذكية لتلقيح السحب صناعياً، والأنظمة الحرارية المصممة هندسياً لتحفيز التيارات الصاعدة والحمل الحراري الاصطناعي للسحب.

وأضاف: «ولكي يمكن الحكم بأن برامج «الاستمطار»، عنصر أساسي في استراتيجيات الأمن المائي الوطنية والإقليمية، فإنه يلزم مزيداً من الدراسات حول آلية زيادة كمية السحب المستهدفة ودقتها «التوقيت والموقع والارتفاع» حتى يتم تلقيح السحب بكفاءة. كذلك تحديد التطبيقات المثلى لتعزيز هطول الأمطار والظروف المطلوبة والطرق المثلى لتلقيح السحب وكذلك نشر أنظمة تجميع مياه الأمطار وتخزين المياه ونقلها بكفاءة وفعالية.

هل يمكن تطبيق الاستمطار في البحرين؟

وبشأن إمكانية تطبيق الاستمطار في دول الخليج الأخرى ومنها البحرين، لفت د. داوود إلى أن معدلات الهطول المطري في البحرين منخفضة حيث يبلغ المعدل السنوي للهطول 71 ملليمتر وموسمها يبدأ من أكتوبر حتى نهاية مايو. وتتميز الأمطار في البحرين بالتباين الكبير من سنة لأخرى ومن مكان لآخر فقد تهطل أمطار في يوم واحد تفوق المعدل الشهري أو تقارب المعدل السنوي وقد تمر سنة كاملة يكون فيها أقل من المعدل السنوي.

وبالتالي فإن تبني برنامج وطني لتلقيح السحب وتعديل الطقس والاستمطار قد يكون نافعاً في تحسين وزيادة معدلات الهطول المطري. ولكي يتم ضمان نجاح مثل هذا البرنامج يحب أن تتوافر العناصر التالية:

توفير الدعم المالي للبرنامج حيث إن هذه البرامج مكلفة في بدايتها.

توفير البنية التحتية من معامل ومركز وطني للبحوث.

التعاون مع المراكز العلمية الدولية التي حققت خطوة في هذا المجال.

بناء القدرات الوطنية والكوادر البشرية والباحثين في هذا المجال.

البدء في برامج بحثية متطورة سواء نظرية أو تطبيقية.

توافر الظروف الطبيعية المناسبة لعملية تلقيح السحب والاستمطار مثل:

دراسة السحب المستهدفة وفيزيائيتها.

دراسة طبيعة المنطقة المستهدفة.

استخدام المواد المناسبة لعملية تلقيح السحب والاستمطار الصناعي للحصول على معدلات اقتصادية من الأمطار.

اختيار افضل الأوقات لعملية الاستمطار الصناعي واستغلال الزمن المتاح بأفضل شكل ممكن، لإجراء عملية البذر في السحب الركامية والحصول على أفضل نتيجة.

دلال الشامسي: رصد الحركة والتغيرات الحرارية للسحابة

وتوجهت «الوطن» بالأسئلة إلى الأستاذ المشارك في قسم علوم الأرض بجامعة الإمارات د. دلال الشامسي، حيث أكدت أن مبادئ الاستمطار تعتمد على وجود السحابة المناسبة واللي تتحرك بالاتجاه المناسب، ليتم حقنها بمواد تعزز هطول المطر، وكذلك على وجود مجموعات متنوعة الأحجام من جزيئات الغبار الجوي، لتشكل أنوية مناسبة لتكون حبيبات المطر بحجم كاف يؤهلها للوصول إلى سطح الأرض عوضاً عن تبخرها أثناء السقوط. وتتم عملية انتقاء السحب المناسبة من حيث التركيب واتجاه الحركة والتغييرات الحرارية الديناميكية عبر شبكة من أجهزة الرادار التي تراقب السحب وحركتها باستمرار. ويستهدف تلقيح السحب لغرض الاستمطار السحب الدافئة، حيث يتم إدخال جزيئات الغبار الجوي الاصطناعية الكبيرة في السحب لتعزيز امتصاص المياه السائلة السحابية المتاحة بشكل يتجاوز ما هو متوقع من جزيئات الغبار الجوي في الطبيعة والتي تكون ذات أحجام أصغر نسبياً. وتؤدي جزيئات الغبار الجوي الكبيرة إلى إنتاج قطرات كبيرة سائلة يمكنها تنشيط عملية التصادم بين الجزيئات و«احتمالية» زيادة هطول الأمطار.

استخدام الاستمطار لتقليل كمية البرد

وأوضحت الشامسي أن دولاً عديدة طبقت الاستمطار «بشكل محدد» في المناطق الجافة والمناطق الزراعية لزيادة نسبة الأمطار، وأيضاً للتحكم في حجم الجسيمات المائية الصلبة المصاحبة للعواصف الرعدية «تقليل كمية البَرَد»، ومن هذه الدول الصين وتايلند والهند وأستراليا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن أكبر برنامج للاستمطار يوجد في الصين.

أول مصنع لتحسين الطقس

ونوهت الشامسي بتجربة بلدها في بحوث علوم الاستمطار التي بدأت في العام 1990، مشيرة إلى أن الإمارات تضم حالياً أكثر من 60 محطة للرصد الجوي وشبكة رادار متكاملة وطائرات متخصصة لتنفيذ عمليات الاستمطار، وقالت إن الإمارات لديها أول مصنع في المنطقة «لتحسين الطقس» وهو يقوم بإنتاج شعلات تلقيح السحب من الأملاح التي تعتبر صديقة للبيئة.

ولم تحدد د. دلال كلفة عملية الاستمطار، إلا أنها بينت أن زيادة نسبة هطول الأمطار لا ترتبط بعملية الاستمطار وحدها، ولذلك يتم تسجيل نسب التغير بشكل مستمر وملاحظة نوع التغيير بالزيادة أو النقصان بين الأعوام، وليس الكمية المطلقة، حيث إن عملية الاستمطار قد تعزز هطول المطر ولكنها لا تخلقه. كما تؤثر العوامل غير المباشرة مثل التقلبات المناخية والجوية الطبيعية على شدة هطول الأمطار ودقة الحسابات المتعلقة بنتائج عملية الاستمطار، وعلى سبيل المثال: إذا تزامن هطول الأمطار المعزز بالاستمطار مع زيادة احتجاز الهواء الجاف نسبياً في السحب، فمن الممكن أن يؤدي إلى تيارات هابطة قوية تتفاعل مع الرياح المحيطة بالسحب مما قد يزيد التقارب بين السحب، مؤدياً إلى نمو إضافي للسحابة المجاورة، وهو ما قد يفسر الزيادة في مساحة المناطق الممطرة أو العاصفة بعد عملية الاستمطار.

لكن اختلف رأيها مع د.داوود بشأن جدوى الاستمطار، حيث قالت إن عملية الاستمطار نجحت في إحداث تغير إيجابي لنسبة الأمطار السنوية في الإمارات بنسبة متوسطها 23% بين عامي 2003 و2019 حسب بحث تم نشره في عام 2021 وشارك به باحثون من برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار والمركز الوطني للأرصاد، وساهم الاستمطار بشكل عام في زيادة نسبة الأمطار في المتوسط ما بين 10 إلى 30% في الدول التي طبقته حول العالم. كما تم إثبات دور الاستمطار في إطالة عمر السحابة المحملة بالمطر بمعدل عشرين دقيقة في المتوسط، وأيضاً في زيادة امتداد حجم السحابة بشكل عمودي.

وبشأن رأيها في إمكانية تطبيقه في البحرين ودول الخليج، شددت على أهمية عمل دراسات مسبقة على مدى عدة سنوات لحركة السحب وتركيبها الكيميائي، قبل إقرار تطبيق الاستمطار في أي منطقة، ويتم ذلك عبر جمع البيانات المكثفة للسحب من محطات المراقبة وأيضاً استخدام أجهزة قياس كميات الأمطار. وقالت إن هذه الدراسات تساعد في تقييم قابلية نجاح عمل الاستمطار في منطقة معينة وذلك عبر تحديد وجود السحب الملائمة لعمليات التلقيح، وأيضاً تطوير البنى التحتية لتتناسب مع أجهزة الرصد وشبكات الرادار.

وأوصت بمشاركة خبرات الدول في مجال الاستمطار وتبادل المعرفة لتطوير تطبيق الاستمطار، وأضافت: «من المفيد أن يتم إنشاء مراكز بحثية متخصصة لعلوم الاستمطار تضم أقساماً لتطوير تكنولوجيا الاستمطار، واختبار المواد المستخدمة في شعلات التلقيح، واستخدام نظم المعلومات الجغرافية لتحقيق النتائج المثلى.

رأي بحريني يتساءل عن كيفية قياس الجدوى الاقتصادية

وتعليقاً على آراء الخبراء من دولة الإمارات، أشار د. وهيب الناصر أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي ورئيس الجمعية الفلكية البحرينية، إلى أنه يميل إلى الرأي الذي يؤكد على كلفة عملية الاستمطار بالمقارنة مع كميات الماء التي تحصل عليها الدولة، وقال: «لو كانت كلفة العملية الواحدة لساعة طيران تبلغ 3 آلاف دولار، وكميات الأمطار التي سيتم جمعها قليلة فإن ذلك لن يكون له جدوى اقتصادية، خاصة وأن آليات جمع مياه الأمطار لا يمكن قياسها بالتحديد مع وجود عوامل كثيرة مؤثرة على مدى الاستفادة من تلك الكميات بشكل مباشر أو غير مباشر».

كذلك تساءل د. الناصر عن المسافة التي تحتاجها الطائرات لنثر المكونات الحاثة على الاستمطار، والتي ربما تحتاج إلى مساحات كبيرة غير متوفرة في البحرين، وفي النهاية ستسقط النسبة الأكبر من تلك الأمطار في مياه الخليج العربي.

كذلك ألمح إلى التفاؤل غير المحسوب في هذه العملية، حيث ترغب بعض المؤسسات العاملة في هذا المجال لترويج أفكارها ومنتجاتها من منظور تجاري، وقال إن الحل الصحيح هو القياس لمعدلات الأمطار على مدى طويل من السنوات قد تصل إلى 20 عاماً.

واختتم بالتأكيد على احترامه لآراء الخبراء من دولة الإمارات، وقال إن العملية تعتمد على أبحاث دقيقة وموثقة يمكن الاعتماد عليها في تحديد الجدوى الاقتصادية، وفي النهاية فهي قد لا تصلح في البحرين لمساحتها الصغيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *