اخبار البحرين

خبراء: أقل من 0.5٪ من السكان يستخدمون النقل العام .. «الزحمة».. مشكلة تتعاظم أمام الحلول التقليدية

تحقيق أيمن شكل


الحلول من وجهة نظر الخبراء: المواصلات التكاملية وتغيير ثقافة المجتمع والتشديد على رخص السياقة


كثافة سكانية مرتفعة ونمو المشروعات لا يكفي لمواجهة زيادة المركبات


«المواصلات»: الحافلات تغطي 77 ٪ من المناطق المأهولة.. ومليون راكب شهرياً


أكد خبراء في الطرق والمواصلات أن مشكلة الازدحامات المرورية لا توجد لها وصفة سحرية، خاصة مع ارتفاع الكثافة السكانية وعزوف الناس في البحرين لاستخدام المواصلات العامة، وانخفاض التشجيع على استخدامها كوسيلة أفضل من السيارة الخاصة، موضحين أن الحل يكمن في تضافر جهود كافة الجهات ذات الصلة بالمشكلة، فيما أوضح مواطنون أن المشكلة مسؤولية مشتركة بين الجهات المعنية والأفراد وثقافة المجتمع وسلوكياته في الشوارع.

وبداية فقد شهدت البحرين زيادة في في الكثافة السكانية للبحرين بنسبة 16.5%، حيث بلغت الكثافة السكانية الكلية في مملكة البحرين 1979.1 نسمة لكل كيلومتر مربع، مقارنة بـ1697.4 نسمة في 2014، وجاءت العاصمة المنامة، الأعلى في كثافة السكان بحوالي 6792.3 نسمة لكل كيلومتر مربع، تلتها المحرق بنسبة 3855.4 نسمة لكل كيلومتر مربع، ثم المحافظة الشمالية، بنسبة 2855 نسمة لكل كيلومتر مربع، بينما حلت المحافظة الجنوبية في المركز الرابع بنسبة كثافة سكانية 657.13 نسمة لكل كيلومتر مربع، وتعتبر البحرين سادس أعلى دولة على مستوى العالم من حيث الكثافة السكانية، بعد ماكاو، وموناكو، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وجبل طارق.

طرق تتطور بسرعة كبيرة

وعند الحديث عن الطرق في المملكة؛ فإن إحصائيات إدارة تخطيط وتصميم الطرق بوزارة الأشغال، تكشف عن ارتفاع طول الطرق المعبدة في المملكة إلى 4543 كيلومتراً بنهاية 2022، مقارنة بـ3714 كيلومتراً بنهاية عام 2018، وبنسبة بلغت 86% في 2022، في حين تم رصف 829 كيلومتراً من الطرق منذ 2019 وحتى نهاية 2022.

ولا تتوقف وزارة الأشغال عن تطوير وتوسعة وتعبيد المزيد من الطرق في المملكة، حيث أنجزت خلال السنوات الخمس الماضية عشرات المشاريع الاستراتيجية، التي تهدف إلى تخفيف الازدحامات المرورية، فيما رصدت «الوطن» 15 مشروعاً قيد الإنجاز تواصل الوزارة العمل عليها ويقابل هذه الإنشاءات التي تقوم بها وزارة الأشغال ازدياد مطرد في أعداد المركبات التي تسير فوق هذه الطرق يوماً بعد آخر، حيث كشف إحصائيات إدارة المرور الصادرة مؤخراً عن ارتفاع عدد السيارات والشاحنات المرخصة إلى أكثر من 727 ألف مركبة.

وكلما ارتفع عدد المركبات فإن الحوادث المرورية تتزايد تبعاً لها، وذلك على الرغم من جهود وزارة الداخلية وإدارة المرور لتسييل الحركة المرورية على مدار الساعة، وفي أوقات الذروة.

ومن خلال رصد للحوادث المرورية فقد نشرت النيابة العامة على حساباتها في وسائل التواصل إحصائية حول الحوادث المرورية المسجلة للأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 والتي بلغ عددها 46 ألف حادث مروري وسجلت العام الماضي 44 حالة وفاة ناتجة عن حوادث مرورية، بينما كانت الإصابات 1228 إصابة في 2022، وفي شهر يوليو الماضي فقط بلغت الحوادث المرورية 3822 حادثاً مرورياً بحسب آخر إحصائية أصدرتها وزارة الداخلية.

ماذا قدمت وزارة المواصلات؟

وأظهر موقع وزارة المواصلات والاتصالات أن حجم تغطية شبكة الحافلات يقارب 77% من المناطق المأهولة بالمملكة ويصل عدد الركاب إلى حوالي مليون راكب شهرياً.

وبحسب آخر إحصائية للوزارة بموقعها عن عام 2021، فقد تم الانتهاء من تطوير أكثر من 296 محطة توقف لحافلات النقل الجماعي في مملكة البحرين، وانتهت الوزارة من إنشاء 26 محطة مكيفة.

تجربة عملية من واقع زملاء “الوطن”

لكن من خلال التجربة العملية نجد أن استخدام الحافلات لا يخدم المواطن أو المقيم في سرعة الوصول إلى هدفه، حيث حاول الزميل في قسم “الأونلاين” مروان حاتم استخدام الحافلة للوصول إلى الصحيفة من الجفير إلى أم الحصم، وهي مسافة لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة مشياً على الأقدام، إلا أن الحافلة التي استقلها جالت به في عدة مناطق إلى أن وصلت إلى أم الحصم بعد 40 دقيقة، وهو ما يبين انعدام الجدوى العملية للحافلات في كثير من الأحيان.

وعلى صعيد مشروع مترو البحرين فقد تم تحديد شبكة المترو بطول 109 كيلومترات لتنفيذها على عدة مراحل. وستتضمن المرحلة الأولى من المشروع إنشاء خطين بطول 29 كيلومتراً تتخللهما 20 محطة توقف، يربط الخط الأول بين مطار البحرين الدولي وضاحية السيف، في حين أن الخط الآخر سيربط بين منطقة الجفير والمنطقة التعليمية في مدينة.

وتعمل الوزارة في الوقت الحالي على المرحلة الانتقالية من المشروع مع تحالف الشركات الاستشارية وذلك للعمل على مراجعة الدراسات السابقة وإعداد مستندات مناقصة تأهيل المقاولين وتعيين المطور المنفذ للمشروع، وقد تم طرح مناقصة التأهيل المسبق وإغلاقها في مايو 2022، وجارٍ العمل على تقييم جميع العطاءات المقدَّمة من قبل الوزارة.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم ربط شبكة المترو للمرحلة الأولى بمحطة الملك حمد الدولية للركاب من خلال المرحلة الأولى والتي سيبلغ طولها 8 كيلومترات باستخدام 4 محطات توقف. كما تعمل الوزارة على دراسة المرحلة الثانية من المشروع من خلال ربط محطة الملك حمد الدولية للركاب في منطقة الرملي بالمدينة الرياضية ومركز المؤتمرات والمعارض في منطقة الصخير بطول 18 كيلومتراً باستخدام 5 محطات توقف.

مركبات التوصيل تزاحم الناس في الشوارع

على الجانب الموازي ارتفع الطلب على السيارات المستعملة في سوق السيارات، بينما امتزجت الشوارع بالدراجات النارية التي تعدو ليل نهار بين السيارات لتقوم بتوصيل الطلبيات بشتى أنواعها، وهي المهنة التي انتشرت كالنار في الهشيم، وأصبحت سوقاً يحمل مزيداً من المشكلات في قضية الازدحامات المرورية، وذلك بعد أن تسببت مشكلة التدابير الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا في مضاعفة الطلب على هذه الخدمة، وارتفاع عوائدها للعاملين في هذا المجال.

مواطنون: المرور مسؤولية مجتمعية وتعدد المركبات ثقافة يجب أن تتغير

ولفتت المواطنة لولوة المران إلى الازدحام اليومي الذي يعاني منه نصف سكان مملكة البحرين، أمام المدارس بجميع مراحلها، ووصفته بالاشتباك بين المركبات وأصحابها، الذين يريد كل منهم أن يقوم بتوصيل أبنائه والخروج من بؤرة الاشتباك بأسرع وقت ممكن.

وقالت المران إن البعض يحاولون التسلق على الآخرين بتجاوز أدوارهم بصورة غير لائقة مما قد يتسبب في بعض الأحيان بمناوشات لا حاجة لها، لأن الزمن الذي يختصره هذا الشخص المتجاوز للآخرين لن يستغرق أكثر من دقيقتين في أسوأ الأحوال.

وأكدت المران أن الإدارة العامة للمرور تقوم بجهود جبارة في مناطق الازدحام وخاصة أمام المدارس، وهو ما يسهم بصورة كبيرة في حل مشكلة مزمنة.

وكذلك أشار جاسم بوطبنية إلى ثقافة سارية في المجتمع وهي وجود سيارة لكل فرد في البيت الواحد، وأرجع السبب في ذلك إلى سهولة تملك سيارة وصعوبة إيجاد وسائل مواصلات بديلة وناجعة، إلا أنه دعا لخفض هذا العدد من المركبات في البيت الواحد واعتماد المواطنين على سيارة أو سيارتين فقط لقضاء حوائجهم.

كما نوه بوطبنية إلى سلوكيات لوحظت من البعض في الآونة الأخيرة، وخاصة وقت ازدحام الشوارع الرئيسية، حيث يقوم بعض قائدي المركبات باستخدام خط الطوارئ والاندفاع بمركباتهم بسرعة كبيرة على حارة ضيقة، وهو ما قد يسبب حوادث، وقال إن إدارة المرور حذّرت من هذه السلوكيات وقامت باتخاذ إجراءات رادعة حيال المخالفين، لكن مازال البعض يخالف وهو ما يستدعي تشديد العقوبة.

الحلول من وجهة نظر الخبراء

وحول حلول مشكلة الازدحامات المرورية، أكدت الباحثة والرئيس السابق لمركز دراسات الطرق في جامعة البحرين المهندسة ريم أكبري، أنه لا توجد وصفة سحرية لحل هذه المشكلة، لافتة إلى أن ما تقوم به وزارة الأشغال من تطوير للطرق والمناطق، يفتح الشهية لدى الناس بتحويل مناطق جديدة لمجمعات تجارية ومنشآت ترفيهية ومدارس خاصة وروضات وحضانات، وكل هذه المشروعات تساعد في تضخيم المشكلة وزيادة العبء على الطرق وبالتالي على وزارة الأشغال، وتبدو الوزارة وكأنها لا تواكب التطور السكاني.

وقالت أكبري إن الوضع يحتاج لتضافر جهود جميع الجهات ذات الصلة ووضع خطط استراتيجية للمناطق وتحديد فئات كل مجمع بحيث لا يؤثر ذلك على الحركة المرورية ويزداد الضغط على مناطق بسبب الخدمات المنشأة فيها.

ودعت الباحثة إلى اجتماع الوزارات ذات الصلة بترخيص المنشآت ومنح السجلات التجارية وكذلك وزارة المواصلات مع وزارة الأشغال والتخطيط العمراني وكذلك إدارة المرور، قبل أن يتم البدء في تطوير منطقة، مؤكدة أن المشكلة متشعبة ويشترك الجميع في المسؤولية لوضع حلول لها معاً.

ولفتت أكبري إلى دور وزارة المواصلات في هذه القضية مشيرة إلى أن البحرين كانت رائدة في مجال المواصلات العامة بمنطقة الخليج، ولم يكن متاحاً أمام الطلبة أو الموظفين سوى حافلات المدارس والمؤسسات التي يعملون فيها، وقالت: “وفرت البحرين منذ زمن طويل مواصلات للطلبة في جميع المدارس وكذلك جامعة البحرين، وكنت في بداية حياتي أستخدم المواصلات للذهاب إلى العمل، وأستخدم المواصلات العامة، لكن اليوم ثقافة المجتمع تغيّرت وبدأت المؤسسات في استبدال المواصلات العامة ببدل الانتقال للتخلص من عبء صيانة المركبات وتوظيف سائقين وإنشاء إدارة يمكن الاستغناء عنها في مقابل بدل بسيط يمنح للموظف، وهو ما شجع الناس على امتلاك سيارات خاصة”.

كذلك نوهت الباحثة إلى مشكلة كبيرة تواجه المواصلات العامة في البحرين، خاصة في فصل الصيف والتي تتسبب في عزوف الناس عن استخدامها للتنقل، حيث لا تسمح الأجواء الحارة للمواطن أو المقيم أن يسير لمسافة 100 متر تحت أشعة الشمس المباشرة لكي يصل إلى موقف الحافلات العامة، والانتظار حتى تصل الحافلة بينما في إمكانه شراء سيارة بسعر متوسط تغنيه عن هذه المعاناة.

كما لفتت إلى وكالات السيارات التي ارتفعت أعدادها في المملكة وتوفر للمواطن خيارات واسعة للحصول على سيارة خاصة، حتى إن كل بيت اليوم تجد فيه متوسط ما بين سيارتين إلى 4 سيارات، بينما أشارت أيضاً إلى أن استخدام سيارات الأجرة يعتبر في البحرين رفاهية أو ما يمكن أن يطلق عليه «الحل الأخير» الذي قد يلجأ إليه المواطن لمرة أو مرتين في حال حدثت مشكلة لسيارته.

ودعت أكبري لتشديد الحصول على رخصة القيادة، حيث بينت الإحصائيات أن الإدارة العامة للمرور قد أصدرت خلال عام 2022، أكثر من 43 ألف رخصة خاصة وأكثر من 4 آلاف رخصة قيادة دراجة نارية، وذلك في مقابل أكثر من 42 ألف رخصة خاصة في عام 2021، و2380 رخصة قيادة دراجة نارية.

واقترحت الباحثة وضع سقف لأرباح استقدام السيارات من خلال الوكلاء على أن يتم دفع مبلغ مقتطع من بيع كل سيارة يستخدم لدراسة وإيجاد حلول للازدحام المروري.

من جانبه، أشار أستاذ الطرق والنقل الدكتور راشد المدني إلى أن الحلول الهندسية موجودة ولكنها تحتاج للتفعيل والتحريك للوصول إلى الحلول، لافتاً إلى ما يسمى «المواصلات المتكاملة» والتي تفتقر إليها البحرين، وأوضح أنها تتلخص في إيجاد علاقة تكاملية بين وسائل المواصلات في الدولة بحيث يمكن للمواطن أو المقيم أن يجد الحل الأنسب للوصول إلى وجهته بطريقة أفضل، وقال إن معظم شعوب العالم تعتمد على المواصلات المتكاملة التي تتنوع ما بين الحافلات والمترو والباصات الصغيرة ووسائل المواصلات الأهلية.

وبيّن الدكتور المدني أن المجتمع البحريني يعتمد بنسبة كبيرة على السيارات الخاصة في الانتقالات اليومية، بينما يستخدم أقل من 0.5% من المجتمع المواصلات العامة في البحرين، بينما في المقابل ترتفع نسبة الزيادة في السيارات بالمملكة سنوياً ما بين 77.5% ولا يمكن زيادة الطرق بنفس الزيادة ولا حتى 4% وهو أمر مكلف جداً، وشدد على أهمية إعطاء الأولوية للمواصلات العامة وتشجيع الناس على استخدامها كبديل فعال للسيارات الخاصة.

وحول مشروع المترو المزمع إنشاؤه في البحرين، أشار الدكتور المدني إلى أن الفكرة مطروحة منذ سنة 1987 حيث تحدث أحد المسؤولين الكبار في وزارة الأشغال عنها في مؤتمر اتحاد الطرق الذي عقد آنذاك في العاصمة السعودية الرياض، ثم عاد للواجهة مرة أخرى سنة 1998 حين طرح ضمن ندوة عقدتها جمعية المهندسين حول وسائل النقل العام في البحرين وذكر فيها أن هناك خطة لإنشاء مترو في البحرين.

وقال: “أبسط المدن الأوروبية لديها مترو منذ زمن طويل، ورغم كونها مدناً صغيرة إلا أن المشروع مازال ناجحاً لديهم ويمثل عصب المواصلات بالنسبة للمواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *