اخبار الأردن

د. البراري يكتب عن : منطق الفعل

*** لن يستجيب الرئيس بوتن إلا إلى منطق معادلة الكلفة والعائد
*** هدف الروس وعملائهم في سوريا هو أن تكون المفاضلة بين نظام بشار وداعش
*** على حلفاء واشنطن في المنطقة التصرف بشكل يستند إلى فرضية أنه لا يمكن الوثوق ب أو الاعتماد على إدارة أوباما

من السذاجة بمكان أن يعتقد الرئيس باراك أوباما بأن الرئيس بوتن يتأثر بقوة
الكلمة أو المنطق أو أنه يستبطن أهمية الإنسان كقيمة، فتاريخ المتشددين من
أمثال بوتن يبرز بما لا يقبل للشك بأنهم لا يفهمون إلا لغة الفعل، وبهذا
المعنى من المستبعد أن يستجيب الرئيس بوتن إلا إلى منطق معادلة الكلفة
والعائد، وبالتالي يخطئ أوباما إن ظن بأن إدانته أو انتقاده للقصف الروسي
الوحشي للسوريين ستغير مما يجري على أرض الواقع، فالرئيس بوتن يستجيب فقط
لمنطق القوة وهذا يستلزم أن تعمل الولايات المتحدة (وهي قادرة) على رفع
كلفة الاعتداء الروسي على الشعب السوري، لكنها لا تفعل ما يمنح نظرية
التواطؤ صدقية.

وبدا لافتا في الأسابيع الأخيرة أن بوتن يؤمن بالحسم العسكري عبر استخدام
القوة بشكل مكثف ومثابر ما يحقق أهدافا كثيرة أقلها بقاء نظام الأسد من
السقوط، والمتابع لخريطة القصف اليومي قد يصل إلى نتيجة مفادها أن روسيا
تخوض معركة تقسيم سوريا وفق ما يناسبها.

فالعمليات العسكرية الروسية لا تهدف فقط إلى تغيير موازين القوة على الأرض
بل إلى فرض رؤى جديدة حول مستقبل سوريا والخيارات المتاحة وهنا مكمن الخطر
لأن الانتصار على المعارضة المعتدلة وعلى بقية الشعب السوري لن تنهي الأزمة
بل ستخلق ديناميكيات أخرى لن يتمكن نظام بشار (إن قدر له البقاء) من
التعامل معها كما كان قبل الثورة.

وعلى النقيض من الولايات المتحدة التي خذلت بل وتآمرت على المعارضة
المعتدلة، فإن روسيا استمرت بسياسة دعم الأسد منذ اليوم الأول من الأزمة،
ورفعت من حدة ووتيرة ووحشية اعتدائها عندما استبطن بوتن بأن أمريكا لا
تمانع إلا لفظيا من أن ينتصر الروس وعملاؤهم من الإيرانيين ونظام بشار في
المعركة الدائرة حاليا، وفي الواقع ما كان بإمكان بوتن عمليا التدخل في
سوريا بهذه الطريقة لولا الموافقة الضمنية من قبل واشنطن وتل أبيب.

وربما لا نبالغ عندما نقول إن كلا من روسيا ونظام الأسد وإيران وداعش
يريدون أن تكون المفاضلة الدولية بين الأسد وداعش، فتحقيق هذا الهدف يخدم
الطرفين، فالأول يستفيد من الدعم الدولي في هذه الحالة والثاني يرى بأنه
سيكون الجاذب والمدافع عن السنة. طبعا لن يفضي ذلك إلى استقرار بل إلى توتر
وعدم استقرار ستدفع المنطقة ثمنا له كما ستتأثر مصالح قوى دولية تدخلت أو
تآمرت على الشعب السوري.

لا يمكن أن تستمر أمريكا (إن كانت جادة وأنا أشك) في تكتيك التوافق مع
الروس لضمان وقف إطلاق النار وفي الوقت ذاته تضمن نتيجة معاكسة عما يشهده
الشمال السوري الآن، فالجنون بعينة يمكن أن يدفع المرء لتصديق أن الروس
بالفعل لا يستخدمون مقولات الحل السلمي والانتقالي كسحابة دخان تخفي خلفها
مشهدا آخر من الخداع والتضليل ومحاولة حسم الأمر عسكريا، بمعنى أن بوتن
يجهد في تكتيك شراء الوقت لعل ذلك يسعف قواته لصنع الفارق النهائي الذي
يسعى إليه حتى يعيد بلاده إلى الساحة الدولية على أنقاض الشعب السوري.

لا أعتقد أن الرئيس أوباما بهذه السذاجة، فهو يعرف جيدا أن بوتن يستخدم
سوريا كورقة مساومة حتى يحصل على تنازلات في ملفات أخرى أهمها أوكرانيا،
لكنه لغاية الآن يخذل حلفاءه الرئيسيين والداعمين لثورة الشعب السوري ويبعث
برسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة تتخلى عن الحلفاء بسهولة. وربما
على حلفاء واشنطن في المنطقة التصرف ليس بشكل انفعالي أو عاطفي وإنما بشكل
محسوب وعقلاني يستند إلى فرضية أنه لا يمكن الوثوق بالموقف الأمريكي البعيد
عن الحس الأخلاقي والمتجسد في البرغماتية التي تقوض إدعاءات واشنطن بأنها
تمتلك اليد الأخلاقية الأعلى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *