اخبار عمان

“7 أكتوبر”.. بداية التحرير | جريدة الرؤية العمانية

 

عبد الله البراشدي

 

أودية حمراء جارفة، وأرواح تفارق مساكنها، ومُسيّرات تنشر الموت كل صباح، وجثث توارى الثرى كل يوم، هذا هو حال غزة بعد أكثر من 200 يوم على بداية الحرب، وأكثر من 34 ألف شهيد، وما يزيد عن 77 ألف مصاب، غالبيتهم أطفال ونساء، السؤال الآن، هل ما فعلته حركة حماس في صباح السابع من أكتوبر يستحق هذه الأرقام الكبيرة؟

لنلقي نظرة على ما يدور في فلسطين بشكل عام قبل ذلك الصباح، فهناك شهيد على الأرض سقط برصاص طائش من جنود الاحتلال، واعتقالات بلا سبب يدعو لذلك، وانتهاك لحرمة النساء العزل وتعرضهن للضرب، وأكثر الأسباب التي أدت لحرب طوفان الأقصى هي الانتهاكات اليومية من قبل جيش الاحتلال للمسجد الأقصى، من طرد للمصلين وضربهم، ودخول المستوطنين وتدنيسهم للمسجد، والكثير من التنكيل والتعذيب. ألا يستدعي أن يحرك السنوار جيشه للرد على هذه الأشياء؟

أما عن ما بعد 7 أكتوبر والضربة المدوية التي وجهتها كتائب القسام إلى فلسطين المحتلة، ودخولهم منطقتهم والحصول على الأسرى وبداية الحرب على إسرائيل، فهذا الصباح كان أبعد ما يمكن أن يتصوره العدو المحتل، الأمر الذي سبب الكثير من الرعب في نفوس الإسرائيليين، فعجّت المطارات بالهاربين منها، والفارين من الموت، تخيل معي أن عدد المغادرين من فلسطين المحتلة تجاوز 370 ألف إسرائيلي، هل حدث هذا الشيء من قبل؟ هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها حال الإسرائيليين بهذا الشكل.

هذه الحرب غيّرت نظرة العالم ككل، قلبت الموازين، وزادت وعي العالم بالقضية، فبعد أيام من الحرب والقصف الهائل واللامتناهي من الجيش الغاشم، أدرك الناس حول العالم بشاعة هذه الدولة وبشاعة من فيها، فخرج الناس من شتى بقاع العالم اعتصامًا ووقوفًا مع أهل غزة وأطفالها، فنرى شوارع فرنسا تكتظ بالآلاف من المواطنين والمقيمين احتجاجًا على ما يحدث، وفي الطرف الأخر إسبانيا تمتلئ شوارعها بالمتظاهرين والمطالبين بحق العيش والحياة للفلسطينيين، شوارع برشلونة سجلت أكثر من 70 ألف متظاهر خرجوا في نفس الوقت، والكثير من الدول العربية أبرزها اليمن والعراق، والدول الأوروبية والعالمية خرجت بأعداد هائلة بعد ما حدث من مجازر وتقتيل لأهل غزة، وهذا الأمر إن دل على شيء فإنه يدل على زيادة وعي العالم بالقضية، وارتفاع أعداد مناصري فلسطين في شتى بقاع العالم.

والأمر الجميل في هذه المرة، أن الشعلة لم تنطفئ في قلوب الكثيرين بالرغم من مرور أكثر من 200 يوم وهذا ما نجده الآن في العديد من الدول، فعلى سبيل المثال، الآن نشهد حركة غير مسبوقة من الجامعات الأمريكية، التي خرج طلابها ومنتسبوها من موظفين ودكاترة لعمل احتجاجات ومظاهرات كثيفة للحد من دعم الجامعات للكيان الصهيوني وكذلك معارضة للدعم الأمريكي للإبادة في غزة.

لنلقي كذلك نظرة على الاقتصاد بعد 7 أكتوبر من جهتين؛ الأولى تتمثل في مقاطعة الشركات والعلامات الداعمة للكيان الصهيوني، فقد سجلت هذه الشركات انخفاضا كبيرا جدًا وملحوظا في عائداتها، واستطاع الناس الإضرار بهذه العلامات، تشكل في تراجع الأسهم الذي يؤثر بشكل واضح على المبيعات، مثل مطاعم ماكدونالدز الأكثر استهدافًا بحملة المقاطعة. أما عن الجهة الأخرى فهي خسائر الاحتلال الاقتصادية، فبعد 200 يوم وصل العجز المالي للاقتصاد إلى 32 مليار دولار ولأول مرة في تاريخهم، وكذلك كلفت المساعدات الأمريكية حوالي 47 مليار دولار، والخسائر الإسرائيلية المباشرة وصلت إلى 28 مليار دولار حتى الآن، وغيرها من الخسائر الكبيرة التي تعرض لها هذا الكيان.

من خلال ما تطرقنا له، نجد أن هذه الحرب حصلت على نسبة من مرادها من الجانب الفلسطيني، تمثلت في توعية العالم بهذا العدو المحتل وبشاعته، وكذلك بث الرعب والخوف في نفوس جيش الاحتلال وحكومته، كما بينت حماس ضعف الجيش الذي لم يستطع الانتصار بالرغم من قوته وميزانيته ودعمه اللانهائي، بصمود وقوة كتائب القسام. كذلك ألحقوا بدولتهم الغاشمة الكثير من الأضرار الاقتصادية والتي أثرت وبشكل واضح في سياساتهم، وخلقت الكثير من النزاعات والخلافات فيما بينهم. لذلك أرى أن 7 أكتوبر يومٌ مبارك واتخذت حركة حماس أفضل قراراتها بهذه الحرب، وإنها بداية لتحرير قريب بإذن الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *