اخبار عمان

نحو نظرة أخرى | جريدة الرؤية العمانية

 

 

سليمان المجيني

[email protected]

سيأتي من يشغل تفكيره ويستبدل فراغه باكتظاظ، هكذا كان يشحذ عقله؛ فلم ترد إلى ذهنه أشياء أخرى وقتها، ولم تدرك حصافته فكرة أخرى قد تورد موردًا تقدميًّا غيره.

الفراغ فعل قد لا يستساغ عند العامة، ويؤخذ على القدرة من التحمل لأن صاحبه قوي لا محالة، وهو يوجد بين كثير من البشر، لكنه يتطور كثيرا حتى يسقط صاحبه في فخ الأمراض النفسية، وهو أمر نحتاج إلى تجنبه لأسباب كثيرة، منها أنه سيشغل تفكير الآخرين ممن يعملون على تطوير مجتمعاتهم؛ الأمر الذي سيؤثر عليهم وعلى إنتاجيتهم كالأبناء، كذلك سيكون عبئا إضافيا على مؤسسات الدولة؛ فعلى قدر إنفاقها عليه منذ أن كان طفلا سوف تتكرر العناية وتزداد الأعباء، ولو أنه أمر طبيعي لكنه لا يجب أن يبدأ في وقت مبكر. تختلف ظروف انشغال الأبناء عن دورهم الوطني الصرف، وظروف العناية بين أسرة وأخرى لكنها قائمة لا محالة.

الراحة التي ينشدها الكثير لا تعني تكريس الفراغ، لأنه قاتل، بل يجب ملء أوقات غير العاملين من المتقاعدين، فالراحة في العمل كما يقول رجل الأعمال طلال أبو غزالة، بسبب إحساس العامل النفسي بوجوده ضمن سلسلة متراتبة تقوم بعملية الإنتاج، هذا الإحساس يولد طاقة كبيرة وعقلا شاخصا لمشكلات عصره مما يجعله قادرا على التأقلم، ولا يضمر تفكيره أو تنتابه حالات الفراغ المؤدي إلى تفكير الاستسلام والافتقار بعد غنى، أقصد الافتقار الذي يوازي العوز الفكري، والملل المؤدي للاكتئاب وخلق الأجواء المشحونة بضيق الحال والتشنجات الاجتماعية والعصبية الزائدة.

إشغال غير العاملين من المتقاعدين يمثل أولوية قد يقع على عاتق الدولة جزء منها، خصوصًا ممن لا يملك مشروعًا خاصًا قد يفي بغرض الإشغال ودرء الفراغ، وقد يكون الفرد نفسه مساعدًا ويمثل عكازًا قويًا لدرء الخطر الداهم على المجتمع، وبالتالي يسهم مع الدولة في ذلك، إذا ما علمنا أن العدد ليس بسيطًا ولم يكن في حُسبان الأجهزة المعنية، والتعامل معهم ليس كالتعامل مع الشباب، طريقة التفكير تختلف، والاهتمامات تختلف،  لذلك فبرامج النهوض بهم يجب أن تكون مختلفة، تتوازى من الخبرة والتخصص.

التعاطي مع هذه الفئة لا يختلف كثيرًا عن التعاطي مع معظم فئات المجتمع لكن يجب التفريق في التعامل الذي يعطي لمسة الثقة من تلك المتوجسة أو التعليمية، وإشراك هؤلاء في الأعمال ليس كإشراك صغار السن.

لا يجب أن تمر مسائل التحليل الحكومي، والمراجعات الهادئة لوضع هذه الفئة من المجتمع، خصوصًا بعد أن دفعت بهم الضوابط للتقاعد المبكر، التقاعد الذي ليس لهم فيه يد؛ بل لا يلامس تطلعًا أو استشرافًا قريبًا على الأقل.

والمسألة عمومًا أصبحت مُؤرِّقة خصوصًا بعد النقص الحاد في مداخيل هذه الفئة، الفئة التي حسبت حساباتها أبعد من تلك المدة لينعموا بعد ذلك بتقاعد مريح ومربح. ويتلاقى هذا الملف مع ملفات عميقة أخرى كملف المسرّحين عن العمل والباحثين عنه، وهو لا يقل أهمية؛ بل قد يكون ملف المتقاعدين أكثر كلفة على الدولة لو حُلِّل بشكل مختلف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *