اخبار عمان

الباحث محمد عبدالله العلي يبحث التاريخ البحريني القريب في «أوراق من تاريخ البحرين»

المنامة الوكالات

في كتابه «أوراق من تاريخ البحرين»، الصادر حديثًا عن «دار الساقي»، يعالج الباحث محمد عبدالله العلي العديد من القيم الاجتماعية البحرينية معالجة تاريخية، متناولًا موضوعات اجتماعية، وثقافية، وتاريخية متعددة، ومن أبرزها (البيت البحريني)، كشكل خاص «من أشكال الارتباط والاستيلاء على الفضاء» كما يسميه، فهو «المكان الذي يولد فيه المرء، ويتداخل بعد ذلك ليعيش مع أسَر مجاورة له في الفضاء ذاته».

ومن خلال بحث هذا النمط من مختلف جوانبه المعمارية، والاجتماعية، والإثنوغرافية يؤكد العلي أن البيوت المركبة في البحرين خلال القرن الماضي أثرت على العلاقات الأسرية والعاطفية عند ساكنيها، واصفًا بيوتهم بأنها كانت «نقطة مركزية يتكشَّف فيه تاريخ العائلة، وإعادة إنتاج الحياة الأسَريَّة عند الأزمات والفَقْد».

وفي بحثه هذا، يلفت العلي إلى أن البيوت لم يكن المكان المثالي الذي يتمتع فيه البحرينيون «بالخصوصية والسيطرة على مساحتهم الشخصية»، لكن الواضح أن المنزل كان «أبعد من كونه مأوى إلى حيث كونه معنى تتكثَّف فيه أمور أخرى أكثر عمقًا كالأمان والألفة» وبالتالي فهو «وثيق الصلة بالإثنوغرافيا والسيرة الذاتية».

ويذكر المؤلف في الكتاب أن كثيرًا من البيوت في البحرين حتى الخمسينيات لم تكن تضم عوائل صغيرة أو كما تسمَّى اليوم في علم الإنثروبولوجيا «عوائل نووية، بل كانت عوائل ممتدَّة، تتكوَّن من الأجداد، والآباء، والأعمام، والأخوال، والأبناء» ثم يقدم إحصاءً في ذلك، فيشير إلى أن البحرين في تلك الفترة كان بها «ألف و347 بيتًا تعيش فيه عائلتان. وكان هناك 534 بيتًا فيه ثلاث، أو أربع، أو خمس، أو ست عائلات، بل إن هذا الحال استمر لسنوات لاحقة، فبقي 13 بالمائة من الأسَر في البحرين تتشارك في بيت السكن».



 

هذا النمط من البيوت ساعد على ترسيخ القيم التقليدية للمجتمع. ويوضِّح المؤلف ذلك بالقول بأن البحريني وحتى الخمسينيات من القرن الماضي «كان يعالج مسألة الفَقْد والطلاق والترمّل من خلال فروض البيت العائلي المركَّب، الذي يصبح فيه الجد هو والد أحفاده المباشر، أو يأخذ الأعمام، والأخوال، المبادرة في رعاية الجيل الأصغر، وكذلك الحال مع أبناء الأرامل». والحقيقة أن هذا الرأي كان قد دعمه المؤرخ الفرنسي فرناند برودل، وأشار له المؤلف حين تحدث عن الجانب الفاتن لمناطق البنية العائلية المركَّبة، معتقدًا أنها كانت تمثَّل «أساس الكثير من العلاقات المتبادلة، وفيها نمط متماسك من الحماية الاجتماعية، بعكس العائلات النووية التي تبدو عليها الهشاشة وعدم الاستقرار، فلو انهارت عائلة من جراء موت أحد الزوجين، فإن ذلك يعني على الفور، حلول العزلة، والتوحّد، والانهيار، والدمار الاقتصاديين على حدِّ وصفه».

ويشرح العلي بعض العوامل التي تداخلت مع ذلك النمط من البيوت فيتحدث عن بساطة الحياة، وبطء حركة التنمية العمرانية في البحرين في تلك الفترة، ويضرب مثالًا بقرية (دار كليب)، إذ «لم تَزِدْ فيها البيوت على مدى عقد كامل إلاَّ بواقع أربعة بيوت فقط» بل إن نظرة أشمل للبحرين قبل نصف قرن ستبيِّن أنه «ولغاية عام 1971 كان 60.6% من المساكن في البحرين مملوكة لأصحابها، ما يعني أن نسبة المساكن المؤجَّرة أقل من 40% نظرًا لخيارات السكن العائلي المركّب وعدم الرغبة في الاستقلالية، أو على الأقل عدم القدرة على تحقيقها».

ويبحث العلي من خلال قراءته التاريخ البحريني القريب، الإفرازات الاجتماعية، والاقتصادية الناتجة عن تلك الأنماط التي كانت تميز المجتمع البحريني، مستقصيًا ما أدت إليه في تشكيل العلاقات، وإعطاء المجتمع طابعه الخاص.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *