اخبار تركيا

بعد أن حصل على أغلبية البرلمان.. هل أردوغان قادر حقاً على حسم النتيجة في الجولة الثانية؟

أحمد إشجان عربي بوست

أجريت الانتخابات العامة في تركيا، الأحد 14 مايو/أيار، وأدلى 60 مليوناً و697 ألف ناخب في الداخل والخارج بأصواتهم لانتخاب الرئيس وأعضاء البرلمان بنسبة مشاركة عالية جداً بلغت 88%.

لكن نظراً لعدم حصول أردوغان أو كليجدار أوغلو أو سنان أوغان على نسبة 50% زائد صوت واحد، المطلوبة للفوز بالرئاسة، ستبدأ جولة ثانية من الانتخابات، وفي هذه الحالة سيواجه المرشحان الحاصلان على أعلى عدد من الأصوات، وهما رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو، بعضهما في جولة الإعادة خلال أسبوعين، وسيُنتخب المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات ليكون رئيس تركيا الـ13.. وإليكم تحليلاً لمعدلات التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

بادئ ذي بدء، إذا نظرنا إلى معدلات التصويت في الانتخابات الرئاسية، نرى أن “أردوغان” حصل على نسبة 49.54% من الأصوات، وحصل كليجدار أوغلو على 44.85%، و”أوغان” على 5.17%.

الانتخابات التركية وازدواجية البرلمان والرئاسة

إن انطلاق جولة إعادة في هذه الانتخابات ليس مفاجأة لكثير من الخبراء، لكن الانتخابات البرلمانية تسلط الضوء على جانب أكبر أهمية. فبينما كان متوقعاً أن يتراجع تحالف الجمهور في الانتخابات البرلمانية بسبب أصوات التيار الرجعي، تقدَّم في البرلمان بهامش قوي.

لكن هذه ميزة كبيرة لتحالف الجمهور، لأنه في هذه الحالة، سيتجه بعض الناخبين إلى أردوغان لتجنب ازدواجية البرلمان والرئاسة، ويصبح ممكناً إنشاء آلية مستقرة لصنع القرار، وهذه هي النتيجة الأولى للانتخابات البرلمانية. أما النتيجة الثانية فهي المعضلة التي ستشكلها المقاعد الـ322 التي فاز بها تحالف الجمهور في البرلمان لتحالف الأمة. ومن ضمن هذه الأزمات التي قد تحدث لو انتخب كليجدار أوغلو رئيساًَ في الجولة الثانية:

1 إذا اُنتخب كليجدار أوغلو رئيساً في الجولة الثانية فكيف سيعمل مع تحالف الجمهور صاحب الأغلبية في البرلمان؟

2 هل سيتجنب كليجدار أوغلو البرلمان باستخدام قوانين تصدر بالمراسيم، التي انتقدها كثيراً، في آلية اتخاذ القرار؟

3 كيف ستتحقق “العودة إلى النظام البرلماني”، وهي من أكثر النقاط التي تركز عليها خطابات “تحالف الأمة”، حيث حصول “تحالف الجمهور” على الأغلبية في البرلمان؟

4 وأخيراً، كيف سيحافظ كليجدار أوغلو على تماسك التحالف حين يفشل في الوفاء بوعده “بالعودة إلى النظام البرلماني”، الذي يوحد “تحالف الأمة”؟.

في ضوء هذه المشكلات، لن يجانبنا الصواب لو قلنا إنه إذا انتخب كليجدار أوغلو رئيساً في الجولة الثانية، فإجراء انتخابات مبكرة سيكون أكيداً، بل وقد تصبح إمكانية إجراء “انتخابات عامة مبكرة” في نفس وقت الانتخابات المحلية، التي ستُجرى بعد حوالي 10 أشهر، مرتفعة جداً.

مفاجأة حزب الحركة القومية

كانت نتائج الأحزاب الأخرى في الانتخابات البرلمانية لافتة للانتباه أيضاً، فنسبة التصويت لحزب الحركة القومية كانت مفاجأة بالتأكيد؛ إذ حصل على 10.07% من الأصوات، وكان من المتوقع أن يحصل على حوالي 7 أو 8%، لكنه حصل على 51 نائباً، وفضلاً عن ذلك، فاز على حزب الجيد، الذي كان يتوقع حصوله على 13 أو 14% من الأصوات، لكنه حصل على 9.7% فقط.

فقد كانت “ميرال أكشنار”، زعيمة حزب الجيد، هي صوت المعارضة داخل التحالف، وفي مارس/آذار 2023، غادرت تحالف “الطاولة السداسية” بعد انتقادات شديدة وجهتها له ثم انضمت إليه من جديد كأن شيئاً لم يكن. ولأن حزبي “الحركة القومية، والجيد”، ينتميان إلى التيار القومي، يبدو أن الأصوات تدفقت من حزب الجيد إلى حزب الحركة القومية.

الانتخابات التركية وحزب الشعوب الديمقراطي

من الجوانب الأخرى اللافتة للانتباه في الانتخابات البرلمانية التركية هو الانخفاض الكبير في نسبة التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي الذي دخل الانتخابات تحت شعار “حزب اليسار الأخضر”.

إذ أصيب حزب الشعوب الديمقراطي “حزب اليسار الأخضر” بجرحين منفصلين في هذه الانتخابات؛ الأول كان انخفاض نصيبه من التصويت، الذي كان يُتوقع دوماً أن يصل “10% على الأقل”، حيث وصل إلى 8.77%، ومن أكبر العوامل التي ساهمت في ذلك صعود حزب عمال تركيا “TİP” اليساري وتمكنه من جذب أصوات ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي.

أما العامل الآخر فهو الانتقاد المتكرر للعلاقة بين حزب الشعوب الديمقراطي “حزب اليسار الأخضر” وحزب العمال الكردستاني، الذي يذكره أردوغان في كل خطاباته دائماً.

أما الجرح الثاني الذي أصيب به حزب الشعوب الديمقراطي فحقيقة أن حزب عمال تركيا “TİP” اليساري أصبح بديلاً له. ولأن حزب عمال “TİP” اليساري تركيا شارك في الانتخابات بقائمته الخاصة، فقد اقتسم الأصوات مع حزب الشعوب الديمقراطي في العديد من المناطق التي كان يتوقع حصول حزب الشعوب الديمقراطي فيها على عضو أو عضوين في البرلمان. ولقد أفاد هذا الوضع الحزب بأكبر عدد من الأصوات في هذه المناطق بطريقة”هوندت”المستخدمة في توزيع المقاعد الانتخابية.

“أردوغان” يحصل على المركز الأول في مناطق الزلزال

من الجوانب الأخرى التي كانت مثيرة للفضول في هذه الانتخابات هو ما ستكون عليه معدلات التصويت في المناطق التي وقع فيها الزلزال، الذي يشار إليه بكارثة القرن؛ إذ احتل أردوغان المركز الأول في الانتخابات الرئاسية في 9 من أصل 11 مدينة ضربها الزلزال، باستثناء ديار بكر، الذي تصدر فيها حزب الشعوب الديمقراطي، وأضنة، التي تصدر فيها مرشح حزب الشعب الجمهوري.

في الانتخابات البرلمانية، كان حزب العدالة والتنمية هو الحزب المتصدر في جميع مدن الزلزال باستثناء ديار بكر، حيث كان حزب الشعوب الديمقراطي في المركز الأول. وهذه النتائج أثبتت أن التحليلات التي تشير إلى أن الزلزال سيكون له تأثير كبير على نتائج الانتخابات كانت خاطئة، وأن أردوغان اجتاز اختبار الكارثة بدرجة امتياز.

قبل يومين من انطلاق الانتخابات الرئاسية، انسحب “محرم إنجه” من السباق الرئاسي، وكان مصير الأصوات التي حصل عليها مسألة تثير الفضول. استناداً إلى نتائج الانتخابات الرئاسية، يمكننا القول إن بعضاً من الأصوات الرجعية التي كانت ستصوت لصالح “محرم إنجه”، تحولت إلى”سنان أوغان”، يُعزى هذا إلى حصول تحالف الأجداد “أتا” على ما بين 1.5% إلى 2% من الأصوات أكثر من المتوقع.

ومع ذلك، ليس هذا إلا محض افتراض، لأنه يُحتمل أيضاً أن يكون بعضٌ من أصوات محرم إنجه قد تحولت وذهبت إلى تحالف الجمهور. والسبب أن قاعدة الناخبين الخاصة بإنجه ليست متجانسة.

برغم كل شيء، سيكون تحالف الأجداد ورقة الحسم في الجولة الثانية من الانتخابات، مثلما أعلن هو بنفسه، لكن تحالف الأجداد أيضاً يواجه معضلة فالأصوات التي تصوت لصالح سنان أوغان هي أصوات رجعية إلى حد كبير.

إلى جانب ذلك فإن العضو الآخر في تحالف الأجداد، “أوميت أوزداغ”، زعيم حزب النصر التركي، برغم أن قاعدة الأصوات الخاصة به صغيرة، فمن المستحيل أن يتحدث سنان أوغان عنها ويعتمد عليها، بعبارة أكثر وضوحاً قد لا ينجح “سنان أوغان” في توجيه الأصوات التي حصل عليها نحو تحالف محدد في الجولة الثانية، لأنه لن يكون مؤثراً للغاية على جمهوره.

تتمثل إحدى النقاط المهمة حول الانتخابات في أننا نستطيع أن نرى بوضوح انعكاس صعود النزعة القومية في تركيا على المشهد السياسي. حينما نلقي نظرة على نسبة التصويت المجمعة لحزب الحركة القومية (MHP) والحزب الجيد وتحالف الأجداد، وجميعها تتخذ موضعاً لها على الجناح القومي، يمكن أن نرى أنها تقترب من 23%. يصل ذلك تقريباً إلى ربع عدد الناخبين الأتراك، وربما يعود هذا إلى عدة أسباب.

أولاً:تسببت معركة تركيا المثمرة التي طال أمدها ضد “بي كي كي/واي بي جي” (حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب)، في إثارة القومية.

ثانياً:ثمة نزعة قومية عامة في العالم، لاسيما بعد الجائحة، مع عودة أهمية الدولة القومية إلى الأجندة، وتركيا هي الأخرى تأثرت بهذه النزعة.

ثالثاً:هو قضية المهاجرين المقيمين في تركيا ففي كثير من الجوانب، يمكن ملاحظة أنه كلما تزيد أعداد المهاجرين تتزايد معها النزعة القومية داخل البلاد. أسفرت هذه الأسباب عن النسبة المرتفعة من الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب القومية في الانتخابات التركية.

الانتخابات التركية استطلاعات الرأي تخفق في توقعاتها

في الانتخابات التركية نرى أيضاً كيف أخطأت استطلاعات الرأي “الأكثر موثوقية”، وهو ما ذكرته في مقالي السابق. كنت أتوقع هذا الخطأ، لأن استطلاعات الرأي بالنسبة للناخبين الأتراك، إلى حد ما، ليست إلا المكان الذي يحتجون فيه. والأصوات التي يعطونها في استطلاعات الرأي للاحتجاج قد تتغير تغيراً كبيراً حينما يأتي يوم الانتخابات. وقد شهدنا هذا في هذه الانتخابات أيضاً.

ثمة أيام صعبة تنتظر تحالف الأمة؛ لأن خسارة الانتخابات في الجولة الثانية ستكون ضربة قوية. ففي مواجهة حكومة تواجه صعوبات اقتصادية وواجهت مؤخراً كارثة زلزال كبيرة، فإن الحقيقة التي ستقول إن المعارضة فشلت في تحقيق نتائج حتى مع اتحاد جميع أحزاب المعارضة تقريباً، سوف تجلب جرحاً خطيراً لجميع أحزاب تحالف الأمة في مجال السياسة.

تجدر الإشارة هنا إلى نقطتين: الأولى هي اختيار تحالف الأمة للمرشح الرئاسي. لم تكن ميرال أكشينار، التي أكدت منذ بدء التحالف على اختيار “المرشح الذي سيفوز”، مخطئةً في هذه النقطة.

مع أن “ميرال” كانت تقصد أكرم إمام أوغلو بتأكيدها على “المرشح الذي سوف”، فإذا شارك تحالف الأمة في الانتخابات بمرشح خارجي غير سياسي بدلاً من كليجدار أوغلو، الذي يشغل منصب رئيس حزب الشعب الجمهوري، فلربما كان أقرب إلى تحقيق الانتصار.

كان ترشح كليجدار أوغلو، في رأيي، خطأً استراتيجياً ارتكبه تحالف الأمة؛ لأن حزب الشعب الجمهوري لديه تصور تاريخي ليس جيداً للغاية في أعين قطاع من المجتمع التركي، ويصعب كسر هذا التصور.

السبب الثاني أن عديداً من التحركات الافتتاحية التي اتخذها “كليجدار أوغلو” والخطابات المعتدلة التي ألقاها، لاسيما في الأشهر القليلة الماضية، خارج الخطاب العام لحزب الشعب الجمهوري، لم تلقَ استحساناً من الجمهور.

إذ إن تصريحات “كليجدار أوغلو” التي قال فيها إن حزب الشعب الجمهوري تصالح مع ماضيه، وإنه اعترف بأخطائه بل إنه تغير، بالإضافة إلى فيديوهاته الكثيرة حول هذا الموضوع، لم تغيّر كثيراً من التصور لدى الجمهور حول حزب الشعب الجمهوري، فـ “كليجدار أوغلو”، الذي ظن أنه قادرٌ على كسب أصوات الناخبين الأتراك بهذه المبادرات والخطابات، قد فشل في هذا الصدد، وهو ما اتضح عبر معدلات التصويت في الانتخابات.

في الختام، بينما تمضي تركيا قدماً نحو الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بعد أسبوعين، لن نخطئ إذا قلنا إن “أردوغان” في موقف أكثر تميزاً، لأنه تفوق بنسبة واضحة على “كليجدار أوغلو” في الانتخابات الرئاسية، ولأن تحالف الجمهور لديه أغلبية في البرلمان.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *