اخبار تركيا

2024.. هل تبدل أنقرة في سياستها السورية؟

د. سمير صالحة تلفزيون سوريا

تحصي بغداد العشرات وربما المئات من الانتهاكات التركية لأراضيها في شمالي العراق لكنها تسلم في الوقت نفسه بعجزها عن السيطرة على هذه المناطق في مواجهة مجموعات “حزب العمال الكردستاني”، وقيادات وكوادر “قسد” الشريك الجديد الذي يتنقل في السليمانية برعاية أميركية.

تعلن أنقرة تمسكها بمواصلة عملياتها الأمنية”ما وراء حدود بلادنا ولن نسمح للإرهابيين بتدنيس أرض وطننا” كما يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أعقاب استهداف الجنود الأتراك في دهوك ومتينا، لكن ما يقلق تركيا هو غير ذلك.

تسبب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 بإلحاق أضرار كبيرة بدول الجوار أيضا. سوريا وتركيا بين أبرز من تحمل هذه الأعباء سياسيا وأمنيا واقتصاديا. أتى الدور على سوريا لاستكمال المشهد العراقي كما يردد حلفاء واشنطن هناك منذ فترة. انتهت الحرب على داعش في شرق الفرات، لكن هناك ما نقلته مئات طائرات الشحن العسكرية وآلاف الشاحنات الأميركية إلى الشريك السوري تنتظر شيئا في شرق الفرات ما كما تقول أنقرة. تتواصل الاستعدادات التركية لاستقبال الرئيسين الإيراني والروسي في مطلع العام الجديد. الملف السوري سيكون حاضرا بثقله. تريد موسكو إقناع أردوغان بالعودة إلى الطاولة الرباعية بأسرع ما يمكن لأن بيانات “مسد” الأخيرة حول مشروعها ورؤيتها السياسية والدستورية لسوريا الجديدة، تعني أن دور “بطانية” داعش قد انتهى وبدأ دور “اللحاف” الأميركي لحماية قسد من ارتدادات وردود الفعل الإقليمية المحتملة بسبب هذه المواقف.

كشفت الأجهزة الأمنية التركية عن استهداف وتدمير العشرات من المواقع والمراكز والبنى التحتية التابعة لقسد والتي يتمركز فيها عناصر حزب العمال في شمال شرق سوريا. الملفت هذه المرة كان المناطق التي تم ضربها في مدن وبلدات عين العرب والقامشلي وعامودا التي أعلنتها واشنطن وموسكو وطهران خطوطا حمراء على القوات التركية. يطالب مظلوم عبدي أميركا بالتحرك لوقف الهجمات التركية، ويعلن أن الحوار مع النظام في دمشق لم يتوقف، لكنه يواصل قيادة عملية التحضير السياسي للمشروع الانفصالي في سوريا. يريد المناورة على كل الجبهات مستغلا الفراغ والفوضى والدعم الأميركي. هل ينجح التحرك التركي الروسي الإيراني في الرد هذه المرة؟

تكاد عمليات القوات العسكرية والاستخباراتية التركية تصل إلى عمق 300 كلم داخل الأراضي السورية والعراقية وهي تطارد وتستهدف قيادات وكوادر “حزب العمال الكردستاني” ورموز “قوات سوريا الديمقراطية” بعيدا عن الحدود. تعول واشنطن بالمقابل على الدعم اللوجستي الذي يقدمه بافل طالباني لمجموعات قسد وحزب العمال في محاولة لفتح الطريق أمام تسريع إعلان الكيان الكردي الانفصالي في شمال شرقي سوريا.

هي تريد هذه المرة أن تقدم لشريكها في شرق الفرات هدية جديدة، مشابهة لما فعلته في العراق عام 2005 مستفيدة من الضباب السياسي والأمني الذي يسود المنطقة. السباق هو بين أنقرة وطهران وموسكو من جهة وواشنطن من جهة أخرى حول من يحقق هدفه في سوريا.

يزور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بغداد في آب المنصرم ويرد نظيره العراقي فؤاد حسين الزيارة على رأس وفد سياسي أمني رفيع. بعدها بأيام تهاجم عناصر حزب العمال هاركوك ومتينا في شمالي العراق. احتمال أن التصريحات والبيانات الإيجابية الانفتاحية الصادرة عن أنقرة وبغداد في الأشهر الأخيرة أغضبت البعض وأقلقتهم بسبب طبيعة التفاهمات السياسية والأمنية والتجارية التي تم التوصل إليها.

بينما كانت الأنظار مشدودة نحو جبهات غزة تحركت مجموعات “بي كي كي” تحت جناح الظلام والضباب والثلوج المتراكمة، لمهاجمة الجنود الأتراك. في العلن هو هجوم لعناصر حزب العمال سبقه هجمات مشابهة في محاولة لإثبات الوجود بعد الضربات التي تلقوها في سوريا والعراق وإنهاء وجودهم وعملياتهم داخل الأراضي التركية بشكل شبه كامل. لكن الداخل التركي يناقش ما جرى ومنذ أيام بطريقة مغايرة ويبحث عن الكثير من الإجابات لأسئلة تتعلق بتوقيت الهجوم وأسبابه وأهدافه والرسائل التي يريد البعض توجيهها لأنقرة في منتصف الشتاء ومن على المرتفعات العراقية.

1 تركز تركيا جهودها في هذه الآونة على موضوع غزة وقياداتها تصعد ضد حكومة نتنياهو في أكثر من مكان وعلى أكثر من خط. احتمال أن أحدهم أراد تشتيت انتباه أنقرة وتوجيه أنظارها نحو مكان آخر لتخفيف الضغوطات عليه في جبهات الأراضي الفلسطينية المحتلة. البحث يدور هنا عن أصابع الموساد وأن يكون صدى الصوت الإسرائيلي في غزة سمع في قنديل وأن أحدهم في حزب العمال لم يتردد في الإستجابة لطلب تل أبيب هذا.

2 ما يفعله الأتراك اليوم وبعد اعتداءات هاكورك ومتينا هو ليس البحث عن إجابة لسؤال لماذا تصر أميركا على دعم قسد شريكها المحلي في سوريا في مواجهة تركيا حليفها الإقليمي؟ استهداف مراكز “قسد” في قلب القامشلي بعد مهاجمة الجنود الأتراك في شمال العراق بين الردود والإجابات التركية على السؤال المطروح، والتي تمكن أنقرة الخروج من معادلة صعبة ومعقدة فرضتها واشنطن عليها وتقوم على الجمع بين الحليف والشريك. استهداف المراكز النفطية التي تضع قسد يدها عليها وتستغلها ماليا في سوريا، رسالة تركية لهذه المجموعات وللحليف الأميركي حول أن أنقرة لن تقبل بهكذا معادلة بعد الآن.

3 انطلقت عمليات المخلب وسلسلتها في العام 2019 ضد عناصر ومواقع “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق. وواكبها عمليات برية وجوية على جبهة شمال شرقي سوريا، ضد مراكز وأهداف متعددة لقوات سوريا الديمقراطية الحليف والشريك الأول لحزب العمال من جهة، وللولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. قمة التناقض في السياسات والمواقف حتما. أن تكون تركيا حليفا دوليا لأميركا وأن تختار واشنطن مجموعات قسد حليف حزب العمال كشريك لها أيضا! لماذا تتمسك أميركا بهذا الشريك المحلي رغم كل التصعيد والتحذير التركي؟ من أجل محاربة ما تبقى من عناصر داعش؟ لا طبعا. والدليل أننا لم نعد نسمع بأية عملية ميدانية واشتباكات بين الطرفين منذ أشهر بعيدة.

إصرار واشنطن على تقديم كل هذا الدعم العسكري والمادي واللوجستي لوحدات الحماية الكردية في شرق سوريا بحماية مصالح أميركا وأهدافها هناك، حيث لم يتبق لها أي حليف أو شريك آخر تنسق معه.

4 قناعة القيادة السياسية والعسكرية التركية باختصار هي على الشكل التالي: أميركا تزود قسد بالسلاح. قسد تزود عناصر حزب العمال به لتستخدمه هي أيضا في هجماتها ضد القوات التركية. وأن المستفيد من محاولة إفشال خطة المنطقة الآمنة التركية في شمال سوريا. ثم عرقلة التفاهمات التركية العراقية في شمالي العراق، هو واشنطن أيضا إلى جانب قسد وعناصر حزب العمال وقيادة السليمانية.

5 هناك أكثر من لاعب محلي وإقليمي يهمه توريط تركيا في ملفات أمنية وسياسية واقتصادية مزمنة، خصوصا بعد التحولات في سياسة حكومة العدالة والتنمية وانفتاحها على العديد من الدول والعواصم في العامين الأخيرين. الملف المائي الإنمائي الاستراتيجي التركي “غاب”، في جنوب شرق تركيا الذي يقوم على الاستفادة من نهري دجلة والفرات وإنشاء العديد من السدود العملاقة ومشاريع الري والطاقة والإصلاح الزراعي والبيئة الحديثة هو المستهدف أيضا. يحاول البعض فرض مقايضاة جديدة على تركيا بعدما كثر الحديث عن ملفات السدود والمياه وتذكير أميركي إسرائيلي لا ينقطع بأهمية التفاهمات والشراكات المائية في الشرق الأوسط.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *