اخبار عمان

“درب اليايز” | جريدة الرؤية العمانية

 

سليمان المجيني

[email protected]

العنوان اسم لشارع قديم يمتلك فيه كبار السن تاريخًا طويلًا من الذكريات؛ فطريق الجائز الذي يحلو لأهلنا تسميته بـ”درب اليايز”، هو شريان الحياة تقريبًا والمنفذ الوحيد السالك لعوالم أخرى، يمر هذا الطريق بمزارع كثيرة على امتداده الطويل من مسقط، وهو طريق وسطي يمر خلف المنازل الواقعة على بحر عُمان وأمام المزارع.

استيقظت هذه الذكريات تسرد نفسها مع العم سعيد الذي يصف الطريق بالمتعرج وتنتشر على جانبيه مزارع النخيل وأشجار الغاف الكثيرة، وينسرب بين رمال وهضاب ومسار أودية يستحيل النفاذ من خلالها وقت نزولها، وفي أجزاء منه طريق متيبس وكأنه مسح بمادة الزفت.

يصل هذا الطريق مسقط بمحافظتي الباطنة وإمارة دبي، ومن فلج القبائل بولاية صحار إلى البريمي وأبوظبي، طريق حيوي بكل معنى الكلمة لكن تم إهماله ربما بسبب المزارع التي تكاد تحتضنه إلا من بعض فسحة بسيطة بينهما (إذا جاز التعبير) كما يصف لي العم سعيد. والسؤال لماذا لم تقم الحكومة وقتها بتشييد الطريق كونه يحمل تاريخًا ومسارًا معروفًا؟ التكاليف الباهظة جراء تعويض أصحاب المزارع والأراضي الواقعة عليه من ضمن الأسباب باعتقادي، وربما فتح مناطق جديدة خلف تلك المزارع بتكلفة أقل كان خيارا أفضل، خصوصا وأن البلاد على مدار السبعينات والثمانينات في حالة بناء وتشييد جميع المرافق، ونهضة شاملة لا تحتمل تكاليف أخرى باهظة.

يتزين طريق “اليايز” بمناظر جميلة لولا طبيعته غير المسفلتة؛ فالسيارة الصغيرة لا تستطيع المرور عليه بسبب تلك الطبيعة وهناك أسباب تتعلق بكونه طريقًا سريعًا للشاحنات وسيارات الدفع الرباعي، كان طريقًا لا يحتمل المدنية؛ فهو للعمل الجاد الثقيل ولا مكان للصغار عليه، بالقرب من دبي تجابهك الرمال الكثيفة التي يشبهها العم سعيد بالجبال من ارتفاعها، لكن لابُد من المرور ومواصلة السير للوصول إلى الجهة المقصودة.

يخبرني العم سعيد الثمانيني أن الرحلة التي تستغرق يومين تبدو شاقة وطويلة يضطر فيها الأصحاب لأخذ راحة إجبارية قبل الوصول، يبيتون وسط الرمال لاسترجاع قوة البدن التي خارت في مسالك الطريق الوعرة والحر الشديد، ولتفادي أي احتجاز بسبب الرمال، أو أي عطل بالسيارة جراء الحرارة الشديدة، تكون الراحة لتحمل تلك الحواجز أكثر في حال وجودها.

كانوا يتبضعون الأرز والطحين و”الكاز” المستخدم لإضاءة القنديل (فنر، صراي، سراج) وآلة الطبخ القديمة، وشراء بعض الكماليات كالأقمشة وأدوات الطبخ وغيرها بحثًا عن الوفرة وقلة الأسعار، كانوا يذهبون في جماعات بسيارة نقل واحدة في الجزء الخلفي من سيارة “البيك أب”، بعضهم يظل موجودًا في دبي لنقله إلى بلدان أخرى للعمل وكسب الرزق، وبعضهم يبقى بها للمتاجرة ليعود لاحقًا، وهناك من يعود محملًا باحتياجاته بعد مبيت ليلة واحدة فقط.

يتميز الطريق بقُربه من القرى السكنية حاليًا ومزارع النخيل سابقًا، ويمثل ذكريات أجيال مرت وأجيال لاحقة، لا ينسى الطفل ذلك الغبار العالق على جبهته من أثر السيارات السريعة التي تمر بجانب مزرعة النخيل، متخطية أفق الغبار المتردي من ناقلة أخرى كانت أمامها، ومنسحبة بصوت قوي يترك أثره دائما في دائرة الأذن والذاكرة.

يمثل شارع “اليايز” أوقاتًا مختزنة بالذكريات للكثير من الأوائل الذين ما زال بعضهم على قيد الحياة. وبأثر رجعي يكمل العم سعيد رحلته إلى دبي مغادرًا بلده من هناك لأجل العمل وطلب الرزق، وهو يستذكر تلك الرحلة الصعبة في “درب اليايز” كما يحب تسميته. 

ما زال الطريق موجود وقائم إلى الآن لكنه ترابي مهمل وضيق، تم رصفه في مساكن التعويض الخاصة بالطريق الساحلي بمنطقة الخضراء في ولاية السويق بأطوال بسيطة لا تتعدى الكيلو متر، إكمال ما تبقى منه على طول الشارع الموازي للطريق الساحلي المزمع إقامته، والذي يربط بين محافظتي مسقط وشمال الباطنة أمر مهم.

هذه رسالة لمخططي الطرق بمحافظات السلطنة المعنية لدراسة استكمال هذا المشروع الحيوي وربطه بصحار؛ حيث تم إنشاء جزء منه بمنطقة غيل الشبول مؤخرا والذي يعتبر امتداد لشارع الجائز (اليايز) بطول 2.5 كيلو متر كما ذكر في جريدة عُمان بتاريخ 22 أبريل 2019، هذا الطريق قادم من محافظة مسقط في الأساس لربط قرى الساحل العُماني ببعضها وبوابة التواصل لخارج البلاد، وتشييد ذلك الجزء منه في صحار يعني الاهتمام بهذا النبض الحيوي، خصوصًا وأن المخططات السكنية تزحف عليه من كل جانب.

وأخيرًا.. أرجو أن يكون الطريق معتمدًا كشارع ترابي قديم تمهيدًا لسفلتته حتى لا تقضمه المخططات السكنية، ونأمل تدارك الوضع وإنقاذه؛ حيث يبقى تاريخًا حيًّا على النقل والتنقل بين قرى ساحل عُمان وغيرها، خصوصًا وقد أزيلت العديد من الأراضي والمزارع بسبب التعويضات الخاصة بالطريق الساحلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *